كلمة السيد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل خلال الملتقى الثقافي لجهة طنجة تطوان الحسيمة:
السيد عامل إقليم العرائش،
السيد رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة،
السيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي
السيد المدير العام لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال
السيد رئيس جماعة العرائش،
السيد رئيس المجلس الاقليمي،
السادة المنتخبون وأعضاء الهيئات التمثيلية،
السادة والسيدات أطر وموظفو المصالح اللاممركزة لقطاع الثقافة بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة،
السادة والسيدات ممثلو وممثلات الجمعيات الثقافية والفنية،
السادة والسيدات ممثلو وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، الورقي والإلكتروني ،
ضيوف العرائش الأعزاء،
أيها الحضور الكريم.
بداية، لا بد أن أعبر عن سعادتي بتواجدي في أحضان مدينة العرائش الجميلة، مدينة الأمجاد والبطولات،المتفردة بتراثها المعماري الأصيل واحتضانها لأقدم مدينة بالمغرب، مدينة ليكسوس الأثرية، وسعيد أيضا بالعناية التي يوليها مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، لقطاع الثقافة بهذه المبادرة الحميدة لتنظيم هذا الملتقى الجهوي.
ثمة أسئلة مهمة تقاربنا من أهمية الثقافة في هيكلة المجال الجهوي، وتطرح نفسها بإلحاح:
- كيف يمكن استثمار الثقافة في سبيل التنمية؟
-كيف يمكن الرفع من وتيرة التنمية عبر الثقافة؟
ما علاقة الثقافة بدينامية التنمية الشاملة بالجهة؟
أي دور لقطاع الثقافة في التسويق للجهة؟ - أي دور للتجهيزات الثقافية في هيكلة المجال الترابي الجهوي؟
- هل بإمكان الثقافة أن تكون رقما أساسيا وفاعلا في النموذج التنموي الجديد؟
فأكيد، إذا كانت التنمية هي ذلك الإطار العام الذي يوفر ظروف حياة كريمة للإنسان، فالتنمية الثقافية هي عملية الرفع وتقوية مختلف شؤون ثقافة المجتمع باتجاه تحديد الأهداف والمقاصد المطلوبة.
ذلك أن إعداد الانسان وبناؤه بناء معنويا وتحسين ظروف عيشه لم يعد يترجم فقط بزيادة المداخيل، ولكن يفرض تحسينا مستمرا لنوعية الحياة نفسها.
وبناء على هذا الاساس، فإن التنمية الثقافية هي تقوية لأشكال التعبير الثقافي عن طريق توفير الظروف للرفع بها. وهكذا أصبحت الثقافة إحدى المعطيات الرئيسية لكل سياسة تنموية اجتماعية واقتصادية.
الثقافة والجهة:
الجهة ليست مجرد إمتداد مادي أو مجال جغرافي أو تقطيع ترابي، بل هي أيضا شخصية ثقافية و مؤهلات تشكل تلاحما فريدا، تأسست ملامحه عبر التاريخ ، فالمجال الترابي يتحدد، حسب أهل الاختصاص، من خلال عنصرين أساسين: العنصر الجغرافي/،الإقتصادي والعنصر السوسيوثقافي الذي يتحدد بدوره بالمجموعة البشرية التي تعيش فيه، تراكماتها التاريخية، ذاكرتها وثقافتها.
وفي هذا الإطار، لابد من استحضار مفهوم الهوية الثقافية والتي تعني أن الماضي التاريخي، وملامح الآباء والأجداد، وأرض الأسلاف واللغة الأم، والعادات والتقاليد والفنون والآداب المتوارثة، والقيم والأعراف، وفنون العيش ( فن الطبخ، الحفلات الدينية والعائلية والمواسم، وأنماط العيش وتنظيم المجال وأشكال أخرى) كل هذا يشكل بعض عناصر الهوية الثقافية وما يعرف بالتراث الثقافي اللامادي.
وإذا كانت هذه العناصر مجموعة تشكل معنويا مؤهلات هويتنا الثقافية، فهل نتوفر ماديا على تجهيزات ومرافق ثقافية تساير وتلائم هذه المؤهلات بل وتحتضنها؟ إذا كانت جهة طنجة -تطوان-الحسيمة قد إستفادت من تجهيزات ثقافية هامة في إطار برامج ملكية كبرى أشرف عليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وكذا في إطار شراكات ثقافية مع المجالس المنتخبة ، وجمعيات المجتمع المدني، وهيئات عمومية أخرى، فإنه لابد من إستحضار أهمية التدخلات العمومية ، وضرورة تناسقها على اعتبار أن الثقافة هو القطاع الذي يعني الجميع من وزارة وصية، منتخبين، وكالات التنمية، الفعاليات الجمعوية، الخواص….
تأسيسا على كل ماسبق، فأملنا كبير في تنزيل الاستراتيجية الجهوية لتثمين وإعادة الاعتبار لأهمية الثقافة أخذا بعين الاعتبار جميع محاور التدخلات الثقافية إنطلاقا من تثمين التراث الثقافي الجهوي، عن طريق جرده ووضع خريطة تراثية وأثرية للجهة ، وتنظيم مواسم ومهرجانات تثمن التراث الثقافي الجهوي، وكذا تشجيع ودعم الفنون من مسرح وموسيقى وسينما وشعر وتشكيل…الخ، لاسيما وأن هناك مهرجانات ناجحة في هذا الإطار، أذكر منها: تجربة السينما بتطوان، تجربة المسرح الجامعي بطنجة، تجربة طنجة المشهدية، مهرجان تويزا بطنجة، المهرجان الثقافي بأصيلا، مهرجانات المسرح بالحسيمة، مهرجان تلاقح الثقافات بالعرائش، وكذلك أيضا عن طريق مراجعة وضعية الكتاب والخزانات العمومية ومعارض الكتاب الجهوية عبر التحسيس بأهمية القراءة والتحفيز عليها.
من هذا المنظور، تتحول الثقافة إلى عنصر دينامي، يفضي بنا إلى تساؤل كبير ، الا وهو: كيف نسوق المجال الجهوي عن طريق الثقافة؟
ولعل تنظيم هذا الملتقى هو أول خطوة للمضي قدما في هذا الاتجاه، الذي مضمونه خلق أسس شراكة حقيقية بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والمجالس المنتخبة من جهة، وبين القطاع الخاص مع إشراك فاعلين والمهنيين في مجال الصناعات الإبداعية؛ استشرافا لوضع خارطة طريق تمكن من إدراك هذه الغايات، المتمثلة في إدماج الثقافة والفنون ضمن النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياحي للجهة.
إن كل مشاكل العالم اليوم مفتاحها الثقافة؛ من محاربة التطرف إلى تليين الصراعات الناتجة عن تباينات شديدة في وجهات النظر؛ وكما قال المثقف الفرنسي الكبير Régis Debray في كتابه Vie et mort de l’image:
الكثيرون يرون في التقديس العالمي للفن، الرابط الوجودي لإنسانية مشتتة.
وختاما، وإذ أعبر لكم عن اعتزازي بالمشاركة معكم في هذا الملتقى، فإنني أغتنمها فرصة لأؤكد لكم استعداد الوزارة الدائم للتعاون والشراكة المثمرة مع مختلف الفاعلين، من أجل تفعيل السياسة الحكومية الرامية إلى إشراك الجميع في خلق مشاريع حقيقية بهذه الجهة، يكون بمقدورها تلبية التطلعات الفنية والثقافية.
كما أغتنمها فرصة لأتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم في تنظيم هذا الملتقى، وفي مقدمتهم: ولاية طنجة تطوان الحسيمة، ومجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، ووكالة إنعاش و تنمية الشمال، وجامعة عبد المالك السعدي.
والشكر موصول أيضا إلى كافة المتدخلين من فنانين وإعلاميين ومثقفين وجمعويين.
وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والصلاح لهذا البلد المعطاء، مع خالص المتمنيات لهذا الجمع المبارك بالتوفيق والنجاح.