عبدالإله الوزاني التهامي
تعتبر مهنة الصحافة رغم رسالتها النبيلة فائقة التأثير والخطورة، إلا أن حقلها محشو ومحاط بالألغام من جهات معلومة وغير معلومة؛ إذ أن العمل فيها بتفان وصدق وشفافية وجرأة، له ثمن باهظ جدا، لا توازيه مردودية الأتعاب وتعويضات المشاق في شيء، بل فقط يمكن أن يحوز الصحافي تعويضه المستحق من ما يحظى به من تقدير ومكانة بين شرائح مجتمعه الواعي المثقف اليقظ. وما دون ذلك لا ينال الصحافي سوى اللعنات من كل حدب وصوب تصل إلى حد تعرضه للتصفية الجسدية، وإلى مصادرة رزقه المقسم له مثل غيره من السماء. وأقل ما يعترض سبيل المشتغل في قصر صاحبة الجلالة، عقبات وعراقيل أينما حل وارتحل في ردهات المؤسسات العمومية والخاصة وكأنه نزل من كوكب آخر، ويشار إليه بالبنان ويخاف منه ويخوف منه وكأنه أجذم ومعدي.كل ذلك وهو قليل، فقط لأنه يخدم الدولة والمجتمع، ويوصل للرأي العام حقيقة الوطن كما هي، فاضحا المستور وكاشفا مكامن الخلل، وواضعا اليد على مصادر الداء، وواصفا ما أمكن وصفات الدواء.إنه الصحافي رمز ميدان مهنة المتاعب، وسوط السلطة الرابعة، وسيد قصر صاحبة الجلالة. باختصار فإن الصحافي يظل شامخا عفيفا مستغنيا عن “الغير” طالما تمسك بالأدبيات والأخلاقيات والدعامات الأساسية للصحافة، طالما هو كذلك فلا ينبطح ذليلا بين عتبات “عتات” السلطات الثلاث المتبقية ومن يدور في فلكهم، ولا يموت كباقي الأموات بل يموت واقفا بعد أن يعمر كشجر الزيتون. وأفضل ما يحصن الصحافي النزيه الشاهق، تنويعه لمصادر العيش وإبداعه لظروف الحياة الكريمة، في استقلالية تامة لا يخالطها فتات دهاقنة السلطة والقرار. تماما، ويصير عصيا على الترويض والتدجين، وبذلك يسمو اسمه بين مسامع الخاصة والعامة. فيحق له بامتياز بناءا على موسوعيته الثقافية وكفاءته المهنيه ونقاوته التواصلية المعاملاتية، أن يكون موجها للمجتمع ومشكلا للرأي العام، ومساهما في صناعة النخب، ومؤثرا وضاغطا على أصحاب القرار.بذلك فقط يشيد البنيان وتبنى الأوطان وتهدم الأوثان.