د. حسن إبراهيمي( رئيس وحدة تتبع النيابة العامة لقضايا الأسرة)
ألقيت هذه المداخلة برواق رئاسة النيابة العامة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباطيو 08 يونيو
2023 لقد عملت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها على إيلاء حماية الطفولة أهمية قصوى، وجعلتها من بين أولويات السياسة الجنائية التي يتعين الحرص على تنفيذها من خلال تدخل النيابة العامة بمحاكم المملكة، وقد أفردت للموضوع عدة مناشير ودوريات تحث قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل، والتماس رفض تزويج القاصر حفاظا على مصالحه الفضلى، وواكبت ذلك بوضع وتنفيذ برامج للتكوين والتكوين المستمر لقضاة النيابة العامة تعزيزا لقدراتهم وخبراتهم في المجال. واستكمالا لهذه المجهودات، وإسهاما منها في رفع التحدي الذي انخرطت فيه بلادنا لمواجهة ظاهرة تزويج القاصر باعتبارها من الممارسات التي ينعكس أثرها السلبي على ضمان تمتع الأطفال بحقوقهم الكاملة؛ عملت رئاسة النيابة العامة على إعداد دراسة تشخيصية شاملة في الموضوع سنة 2021 في إطار تفعيل المبادرة التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب سنة 2020، حيث تمت من خلالها مقاربة المعطيات القضائية لمسطرة تزويج القاصر، وكذا الجوانب الميدانية المرتبطة بواقع هذه الظاهرة، وخلصت إلى استنتاجات غاية في الأهمية، والتي تعد نتاجا لرصد واقع الممارسة القضائية لزواج القاصر من جهة، وتعبيرا عن الواقع المعيش لتجارب فئة مهمة من القاصرات مع هذا الزواج من جهة أخرى. وقد شكل هذا المعطى منطلقا لتوصيات تعد بمثابة خارطة طريق للتصدي لهذه المعضلة التي تؤثر على ضمان ممارسة الأطفال لحقوقهم الكاملة. حيث تمحورت هذه التوصيات على أربع مستويات تتجسد في: تغيير العقليات والموروث الثقافي، والسياسات العامة، والإجراءات القضائية، ثم الجانب التشريعي. وقد ساعدت المعطيات المستقاة من الدراسة التشخيصية، والتي شكلت نتاجا لاستنطاق واقع تزويج القاصرات ببلادنا من تحديد مجالات التدخل بدقة، كما أظهرت بالملموس أن ظاهرة الزواج المبكر ليست شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التطبيق العملي لمقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة؛ بل شأنا مجتمعيا تتعدد أسبابه التي تتراوح بين ما هو اجتماعي واقتصادي، وما هو ثقافي، وديني في بعض الأحيان ينطوي على تفسير مغلوط للمقتضيات الشرعية، مما يقتضي معه مقاربة الموضوع بشكل شمولي ومندمج بغية كسب الرهان بتطويق الظاهرة في أفق القضاء عليها. وتنفيذا لتوصيات الدراسة التشخيصية عملت رئاسة النيابة العامة في ذات السياق على إعداد خطة عمل مندمجة لمناهضة زواج القاصر، شملت مختلف الفاعلين الحكوميين والمؤسساتيين المعنيين، وذلك وفق أهداف محدد، وبمؤشرات دقيقة، وأمد زمني يمتد لأربع سنوات للإنجاز والتنزيل. وإيمانا بقيمة العمل التشاركي في هذا الصدد، فقد تواصل انخراط رئاسة النيابة العامة في الجهود الوطنية الرامية إلى التصدي لزواج القاصر بالانفتاح على الجهات الفاعلة والمعنية بالموضوع، وذلك في إطار تفعيل المبادرة التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب سنة 2020، ولا سيما في الشق المتعلق بالحد من الهدر المدرسي، والوقاية من زواج القاصر؛ حيث بادرت في هذا الإطار إلى تجسيد هذا الالتزام المشترك بتوقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ فاتح مارس 2021. ومن بين أهداف الاتفاقية الإطار الأساسية الحرص على ضمان متابعة الفتيات تمدرسهن إلى نهاية التعليم الإلزامي من أجل العمل على الحد من زواج القاصرات، عبر تنسيق جهود تفعيل قانون إلزامية التعليم، وذلك انطلاقا من قناعة واقعية مفادها أن الهدر المدرسي يشكل رافدا أساسيا لتزويج القاصرات. وقد انطلق تفعيل هذه الاتفاقية في مرحلة أولى بمدينة مراكش كتجربة نموذجية في مارس 2021 ليتم تعميم التجربة على مجموع التراب الوطني بموجب الدورية رقم 20 س/ر ن ع، بتاريخ 9 يونيو 2021 حول تتبع إعلان مراكش 2020، التي تضمنت عددا من التوجيهات للنيابات العامة للحد من الهدر المدرسي للفتيات على وجه الخصوص. وتعتبر الأرقام التي تم تسجيلها بخصوص عدد الأطفال الذين تم إرجاعهم لمقاعد الدراسة حافزا مهما للمضي قدما في تنفيذ مضامين هذه الاتفاقية، حيث تجاوز عددهم برسم سنة 2022 أكثر من 46000
تنبيه: ان هذه الدراسة التشخيصية المنجزة من طرف رئاسة النيابة العامةسنة 2021 تمت في اطار تفعيل المبادرة التي اطلقتها صاحبة السمو الملكي الاميرة الجليلة لالة مريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب سنة 2020*