الأخبار
الرئيسية / الرئيسية / بمراكش: كلمة رئيس النيابة العامة خلال تنظيم سلسلة دورات تكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية

بمراكش: كلمة رئيس النيابة العامة خلال تنظيم سلسلة دورات تكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية

كلمة السيد الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة بمناسبة تنظيم سلسلة دورات تكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية حول موضوع: (العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية) مراكش من 14 إلى 16 يونيو 2023

  بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين -السيد محمد الدخيسي والي الأمن مدير الشرطة القضائية، نيابة عن السيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني؛ -السيد العميد محسن بوخبزة، رئيس المصلحة المركزية للشرطة القضائية، نيابة عن السيد الفريق الأول قائد الدرك الملكي؛ -السيد ممثل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ -السادة المسؤولون بالإدارة المركزية برئاسة النيابة العامة والإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي؛ -السادة المسؤولون القضائيون ؛ -السادة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق؛ – السادة ضباط الشرطة القضائية؛ – حضرات السيدات والسادة الأفاضل كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه. بمشاعر يغمرها الاعتزاز والسعادة، يشرفني أن أرحب بكم في هذا اللقاء المبارك الذي تحتضنه مدينة مراكش الحمراء، عاصمة النخيل، والذي يندرج ضمن حلقة الدورات التكوينية التي تنعقد تحت عنوان (العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية). وبهذه المناسبة أود أن أرحب بهذه الثلة الخيرة من الساهرين على إنفاذ القانون من المسؤولين القضائيين والقضاة والمسؤولين الأمنيين بكل من الأمن الوطني والدرك الملكي، فأنتم مبعث للشرف وأهل للتقدير والثناء على ما تبذلونه من جهود وتضحيات في سبيل الحفاظ على أمن وطمأنينة المجتمع ويوحدهم حب الوطن والدفاع عن مصالحه العليا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. كما أود بهذه المناسبة أيضاً أن أتقدم بأسمى عبارات الشكر والامتنان للسيد المدير العام للإدارة العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي على تفاعلهما الإيجابي وتجاوبهما مع هذه المبادرة الهادفة إلى تعزيز التعاون والتواصل بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية. كما أعبر لسيادتهما عن كامل التقدير والامتنان على كل الدعم والمساعدة التي يقدمانها للعدالة كلما تطلب الأمر ذلك، آملاً تجويد هذا التنسيق وتطويره خدمة للعدالة ببلادنا. والشكر موصول أيضاً للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على دعمه المتواصل لكل المبادرات الخلاقة التي تستهدف تنسيق الجهود الرامية إلى دعم قدرات القضاة وتطوير مجالات التكوين لدى الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون. حضرات السيدات والسادة؛ إن لقاءنا اليوم، يعتبر هو اللقاء الثاني ضمن برنامج اللقاءات التواصلية الجهوية التي تنظمها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي في إطار تنفيذها لبرنامج غير مسبوق يروم تعزيز أواصر التعاون والتنسيق الذي يجمع هذه المكونات، كما يأتي انعقادها أيضاً في سياق تتبع تنفيذ مخرجات اللقاء التواصلي المنعقد برحاب المعهد العالي للقضاء يومي 11 و 12 يونيو 2021، والتي تمخضت عنه مجموعة من التوصيات لاسيما في الشق المتعلق بتعزيز التواصل وتشجيع عقد اللقاءات بين مكونات أجهزة العدالة الجنائية محلياً وجهوياً ومركزياً. وتشكل هذه الدورات التكوينية التي سيستفيد منها المسؤولون القضائيون على النيابات العامة وقضاتها وقضاة التحقيق ومسؤولو الشرطة القضائية التابعون للإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي، أحد تجليات المقاربة التشاركية التي تحرص عليها رئاسة النيابة العامة في إطار انفتاحها على كافة مكونات العدالة الجنائية إيماناً منها بكون هذه المقاربة تشكل الطريقة المثلى لمعالجة كافة المعيقات ومختلف الإكراهات التي قد تحول دون إرساء مقومات عدالة فعالة وناجزة تضمن حقوق وحريات الأفراد والجماعات. هذا الخيار الذي تتبناه رئاسة النيابة العامة في إطار مقاربتها التشاركية للقضايا ذات الاهتمام المشترك تعكسه أيضاً علاقات التعاون والتنسيق المستمر مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في كل ما يخدم مصلحة العدالة ويعزز من قدرات المنتمين لها، وهو ما يتجلى في تعيين السيد الرئيس المنتدب لثلة من السادة قضاة التحقيق للمشاركة معنا في أشغال هذه الدورة التكوينية والاستفادة من محاورها لطرح الصعوبات التي تعترضهم في ممارستهم المهنية والتي تتقاطع مع عمل النيابة العامة والشرطة القضائية. وتعتبر هذه الدورة التكوينية التي التئم لجمعها اليوم هذا الجمع المبارك، الثانية من نوعها بعد الدورة الأولى التي شهدت مدينة فاس أطوارها أيام 24، 25، و26 ماي المنصرم، والتي لاقت بفضل الله نجاحاً هاما تجلى في القيمة العلمية والعملية للمداخلات المقدمة، وجو النقاش الرصين والهادف الذي ساد خلالها والذي انصب في جزء منه على رصد الصعوبات العملية التي تواجه الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون في ممارسة مهامهم. ولقد انبثقت عن هذه الدورة توصيات ومقترحات على درجة كبيرة من الأهمية سيكون لتنزيلها بحول الله الأثر الإيجابي على تدبير المهام المشتركة بعد إغنائها بالتوصيات الصادرة عن الدورات المقبلة. وإننا لنراهن على نجاح أشغال هذه الدورة التي تجمعنا اليوم إسوة بسابقتها والتي عكست بلا أدنى مجال للشك مستوى التنسيق العالي والتعاون المثمر بين الجهات المنظمة وسعيها الأكيد لتحقيق الأهداف المسطرة خدمة للعدالة ببلادنا. حضرات السيدات والسادة؛ يعتبر تجويد آليات العدالة الجنائية من بين أحد أهم الأهداف التي نسعى إليها جميعا من خلال هذه اللقاءات التواصلية، وهذا ما يعكس الرغبة التي تحدونا جميعا من أجل استعراض وضعية العدالة الجنائية ببلادنا والإحاطة بآليات تجويد الأبحاث الجنائية المرتبطة بها وتطوير أساليبها وتعزيز مرتكزاتها القائمة على تأهيل المكلفين بإنجازها من ضباط الشرطة القضائية والمشرفين عليها من قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق من أجل تحقيق عدالة تتميز بالفعالية وجودة الأداء. عدالة تراعي حقوق كافة أطراف الخصومة الجنائية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تثمين وترصيد المكتسبات من جهة، ورصد مكامن الضعف وتشخيص الإكراهات التي تعترض القائمين عليها والسعي لإيجاد الحلول الكفيلة بتذليلها من جهة ثانية. هذه الغاية هي التي تجمعنا اليوم في هذا اللقاء التواصلي المهني والذي يشكل فضاء للتفكير المشترك والجماعي، مستحضرين في ذات الوقت مدى التلازم بين تطوير العدالة الجنائية وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة. فالبحث الجنائي يعد من المداخل الأساسية لإرساء قواعد المحاكمة العادلة التي يشكل وجوب احترمها مبدأً كونيا ودستوريا راسخاً، كما يعد آليةً تمكن الضحايا والمشتكين من بسط تظلماتهم وشكاياتهم تكريساً لتيسير الولوج إلى العدالة باعتباره من الحقوق الدستورية المكفولة للأفراد، وفي هذا الإطار فكلما حرص الشخص المكلف بالبحث الجنائي على حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم، وكلما سعى إلى احترام الضمانات المخولة للأطراف ومراعاة الشكليات والضوابط الإجرائية الناظمة لإنجاز الأبحاث، كلما ساهم ذلك في تعزيز ضمانات شروط المحاكمة الجنائية وأدى إلى الرفع من منسوب ثقة المتقاضين في عدالتهم. لذلك فإنه من واجب المكلفين بإنجاز الأبحاث الجنائية والمشرفين عليها الحرص على ضمان تمتع المشتبه فيهم بكافة الضمانات التي خولها لهم القانون، من قبيل إشعارهم بالأفعال المنسوبة إليهم، والحق في التزام الصمت، والحق في المساعدة القانونية، والحق في مؤازرة الدفاع، واحترام مدة الوضع في الحراسة النظرية وضوابط تمديدها والاستفادة من التغذية واحترام الكرامة الإنسانية، وما إلى ذلك من الضوابط المؤطرة للبحث الجنائي، على اعتبار أن الإخلال بهذه الحقوق يشكل أساسا للدفوع الشكلية التي قد يثيرها الدفاع أثناء المحاكمة فضلاً عما تشكله من مساس بالضمانات الأساسية لشروط المحاكمة العادلة، وهو ما قد يترتب عنه التصريح ببطلان المحاضر أو الإجراء المعيب، علماً أن هذه الإخلالات قد تكون في بعض الأحيان مدخلا لتقديم تظلمات أو شكايات أمام القضاء الوطني أو بلاغات فردية أمام المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات سلبيات على صورة العدالة ببلادنا على الرغم من المجهودات الجبارة التي يتم بذلها في سبيل تكريس حماية الحقوق والحريات وتفعيل شروط المحاكمة العادلة وفق ما ينص عليه دستور المملكة والمواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع. كل ما سبق بيانه يبرز بشكل واضح الأهمية القصوى التي يحظى بها البحث الجنائي باعتباره أحد المقومات الأساسية للعدالة الجنائية وأحد المؤشرات التي يَرْكَنْ إليها كل متتبع لها بما في ذلك الدفاع وأطراف الخصومة لتقييمها، وهذا ما يتطلب منا جميعاً تقييم واقع إنجاز الأبحاث الجنائية، من خلال عملية تشخيص دقيق لهذا الواقع نثمن من خلاله المكتسبات والممارسات الجيدة، ونرصد من خلاله أيضا الصعوبات التي قد تعيق إنجازها بالشكل المطلوب، ومن دون شك فأنتم من خيرة المسؤولين الساهرين على إنفاذ القانون، لكم من التجارب المهنية ما يكفي لبلورة تصورات وأفكار قادرة على إيجاد الحلول للإشكاليات القانونية والواقعية واقتراح الحلول الكفيلة بتجاوزها والرفع من نجاعة عدالتنا وفق ما نصبوا سواء كمدبرين للعدالة أو كمواطنين أيضاً. حضرات السيدات والسادة؛ لا يخفى على حضراتكم أن البحث الجنائي يشكل أحد أهم ركائز المحاكمة الجنائية ويظهر ذلك من خلال الحجية التي أضفاها المشرع المغربي على محاضر الشرطة القضائية لا سيما في الجنح بمقتضى المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية، وأمام هذه القيمة القانونية التي أضفاها المشرع على عمل ضابط الشرطة، فإن ذلك يقتضي إبراز دور المحقق الذي ينبغي أن يبادر إلى تجميع كافة المعطيات الضرورية للبحث واستخلاص الأدلة المفيدة من مسرح الجريمة بشكل احترافي وإدارة عملية الاستماع لأطراف القضية بمهنية عالية، وأن يبرز مجهوده الشخصي في كل ما قام به من إجراءات من أجل إظهار الحقيقة، بما يُمكن من إنجاز محضر قانوني يمكن للعدالة أن تركن إليه كوسيلة إثبات للوقائع المعروضة عليها من جهة، وبالشكل الذي يجعل ذلك المحضر يعكس مستوى المؤهلات العلمية والمهنية التي يتسم بها ضابط الشرطة القضائية الباحث وذلك حتى يتأتى اعتماده من طرف كل ضابط للشرطة قضائية خلال ممارسته لمهامه كمحضر نموذجي يمكن الاستئناس به في الأبحاث التي يقومون بها. وإذا كانت مظاهر وأساليب ارتكاب الجريمة أصبحت تتخذ طابعا أكثر تنظيماً مستغلة في ذلك التطور التكنولوجي الذي عرفه العالم والذي أفرزه بروز أشكال مستحدثة من الجرائم، فإن ذلك يقتضي تطوير مهارات وقدرات الأشخاص المكلفين بإنجاز الأبحاث الجنائية والمشرفين عليها من خلال اعتمادهم للوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة لفك ألغاز الجريمة وملاحقة المجرمين واعتماد الخبرات التقنية والعلمية بمختلف أشكالها وتقوية مهاراتهم للتعامل مع الأدلة الرقمية وأخذ العينات من مسرح الجريمة بشكل يحافظ على آثارها ويكون مفيدا للبحث. وفي هذا الإطار أود أن أشير إلى أن القضاء المغربي أصبح يعتمد في العديد من أحكامه على الدليل العلمي كوسيلة إثبات في بعض الجرائم التي قيدها القانون بشكليات معينة كما هو الشأن بالنسبة لجريمة الخيانة الزوجية التي اشترط القانون لإثباتها إما حالة التلبس أو الاعتراف حيث لم يعد مقيداً بهذه الشكليات في ظل التطور التكنولوجي الذي يمكن أن يساعد في إثبات هذا النوع من الجرائم، حيث اعتمد تسجيلات الكاميرات كوسيلة لإثبات الخيانة الزوجية، كما اعتمد أيضا الخبرة الجينية كوسيلة لإثبات جرائم العرض. هذه الأمثلة وغيرها دليل على الأهمية القصوى التي بات يشكلها الدليل العلمي في مجال الأبحاث الجنائية وباعتباره أيضا من وسائل الإثبات التي يمكن أن تركن إليها هيئة المحكمة لتكوين قناعتها الوجدانية، وهذا ما يقتضي من أجهزة إنفاذ القانون مواكبة التطور التكنولوجي والرقمي ومهارة توظيفه في مجال محاربة الجريمة. حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛ إن تطوير العدالة الجنائية لا يتوقف فقط على الرفع من جودة الأبحاث وتحديث آليات وأساليب اشتغالها وتأهيل العاملين بها، فعلى الرغم من أهمية كل هذه الأشياء إلا أنها لا تكفي لوحدها ما لم نستطع كسب ثقة متتبعي العدالة وثقة المتقاضين وأطراف الدعوى في هذه الأبحاث ونرفع من منسوب ثقتهم ورضاهم فيها، ولذلك تعتبر قيم النزاهة والمروءة والتحلي بالأخلاق المهنية أحد أهم المقومات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها العاملون في مجال العدالة، فلا يخفى على حضراتكم أن تخليق الحياة العامة يشكل أحد التوجهات الملكية السامية التي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليها في خطبه السامية من بينها ما ورد في نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالته دام عزه ونصره ، يوم الثلاثاء 30 يوليوز 2013، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لاعتلائه عرش أسلافه الميامين والذي جاء فيه ما يلي: (ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل “الضمير المسؤول” للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته). انتهى النطق الملكي السامي. وتفعيلاً لهذه التوجهات الملكية السامية بادر المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى وضع مدونة للأخلاقيات القضائية حددت مجموعة من قواعد السلوك التي ينبغي على القضاة إما الالتزام بها أو تفاديها في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحافظ على هيبة القضاء وحرمته ويسهم في إذكاء ثقة المواطن في العدالة. وتتقاطع هذه المدونة بخصوص ما تضمنته من مبادئ أخلاقية مع مدونة قواعد السلوك التي وضعتها المديرية العامة للأمن الوطني بالنسبة لموظفي الأمن الوطني وأيضا مع ميثاق الأخلاقيات والسلوك الذي وضعته قيادة الدرك الملكي بالنسبة لمنتسبيها حيث تتقاسم هذه المدونات جلها قواعد للسلوك تنصب في مجملها على قيم أخلاقية ومهنية نبيلة من قبيل النزاهة والتجرد والشرف والحياد التي ينبغي التحلي بها خلال مباشرة المهام المذكورة كل من موقعه. وإذا كانت مدونات وقواعد السلوك تشكل إطاراً مرجعياً لفرض الأخلاقيات المهنية، فإن دور أجهزة الرقابة الإدارية وهيئات التفتيش في هذا المجال يبقى أساسياً ومحورياً للإسهام في فرض احترام وتفعيل هذه القواعد والانضباط لمبادئها دون أن نغفل دور الرقمنة التي أصبحت تشكل في وقتنا الراهن إحدى الآليات المعززة للشفافية والنزاهة، وهو ما يقتضي منا التفكير الجماعي لإيجاد حلول مبتكرة بغية تعزيز الربط المعلوماتي بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية والمعنيين بها، والعمل على التسريع من وتيرة رقمنة الخدمات. ولا يخامرني أدنى شك أننا موقنون جميعا بكون التشبع بمبادئ النزاهة والشرف وبباقي القيم الأخلاقية يعتبر أحد المداخل الأساسية للرفع من منسوب ثقة المتقاضين وتحقيق رضاهم على العدالة، وضمانة من ضمانات تحقيق شروط المحاكمة العادلة، كما أن تعزيز القيم الأخلاقية في الممارسة المهنية يبقى من بين المتطلبات الأساسية لتنزيل خلاصات تقرير النموذج التنموي الجديد بهذا الخصوص، وذلك حتى تتبوأ عدالتنا المكانة التي تستحقها وتكون في مستوى ما يتطلع إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. ولابد من التأكيد في هذا الإطار على أن تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين المسؤولين عن النيابات العامة وعن مصالح الشرطة القضائية بشكل وثيق ومتواصل وصريح هو الكفيل الأساسي بتفعيل مبادئ هذه القيم والأخلاقيات المهنية سواء من خلال عقد لقاءات تواصلية أو دراسية محلية أو جهوية أو من خلال اعتماد مقاربة تشاركية لمواجهة بوادر كل انحراف أو إخلال قد تبدو معالمه أحياناً. حضرات السيدات والسادة، أيها الحضور الكريم؛ لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أجدد شكري للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللسيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي على تفاعلهم مع مبادرة رئاسة النيابة العامة وانخراطهم الجاد والمسؤول في كل المبادرات التي تروم تعزيز التعاون والتنسيق للرفع من مستوى نجاعة العدالة، والشكر موصول كذلك لكافة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاتها وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية بالإدارات المذكورة وضباطها على تكبدهم مشاق السفر لحضور أشغال هذا اللقاء وما يتحلون به من مسؤولية وحس مهني عال سيسهم لا محالة في إنجاح الأهداف المتوخاة من هذه الدورة التكوينية بغية الرفع من مستوى الأبحاث الجنائية وتجويدها وتعزيز التواصل وتكريس الأخلاق المهنية وفق ما يقتضيه القانون والمرجعية الدستورية والمواثيق الدولية. آملا أن تمهد هذه الدورة التكوينية لعقد ندوات ودورات تكوينية أخرى بشكل منتظم بين النيابة العامة ومكونات الشرطة القضائية سواء على المستوى المحلي أو الجهوي وهو ما سيمكن من حضور أكبر عدد ممكن من ضباطها تعميماً للفائدة ومن أجل مواصلة النقاش أيضاً بشأن محاور هذا اللقاء وإغنائه بأفكارهم ومقترحاتهم وصياغة الحلول الكفيلة بتجاوز الصعوبات التي تعترض القيام بالمهام المشتركة. والشكر موصول أيضاً لكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز وكذلك لكافة السادة المتدخلين الذين سيغنون بمداخلاتهم ونقاشاتهم أشغال هذه الدورة التكوينية، آملاً أن تشهد هذه الأخيرة نقاشاً هادفاً ورصيناً ينصب على رصد الإشكالات والصعوبات العملية المطروحة على الصعيد المحلي والتي تعترض قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية في تدبيرهم للأبحاث وباقي المهام المرتبطة بالعدالة الجنائية، واقتراح الحلول وإيجاد الصيغ الكفيلة بمعالجتها داعياً إلى صياغة ما ستتمخض عليه أشغال هذه الدورة وباقي الدورات من توصيات ومقترحات قادرة على الرفع من مستوى العدالة الجنائية ببلادنا حتى تكون في مستوى تطلعات صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتأييد، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وكافة أسرته الشريفة إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

عن Zwawi

شاهد أيضاً

باكادير..تنظيم المناظرة الوطنية للصحة في دورتها التاسعة

المناظرة الوطنية للصحة في دورتها التاسعة بأكاديرالجمعية الوطنية للمصحات الخاصة في قلب النقاشات الصحية الراهنةالحكامة، …

اترك تعليقاً