كلمة السيد الوكيل العام للملك
رئيس النيابة العامة
بمناسبة
تنظيم سلسلة دورات تكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية
حول موضوع
(العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية)
طنجة
من 12 إلى 14 يوليوز 2023
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-السيد محمد الدخيسي والي الأمن مدير الشرطة القضائية، نيابة عن السيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني؛
-السيد العميد محسن بوخبزة، رئيس المصلحة المركزية للشرطة القضائية، نيابة عن السيد الفريق الأول قائد الدرك الملكي؛
-السيد ممثل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
-السادة المسؤولون بالإدارة المركزية برئاسة النيابة العامة والإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي؛
-السادة المسؤولون القضائيون ؛
-السادة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق؛
السادة ضباط الشرطة القضائية؛
- حضرات السيدات والسادة الأفاضل كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه
إنه لشرف كبير أن ألتقي بكم في هذا اليوم المبارك لأفتتح بمعيتكم أشغال هذه الدورة التكوينية التي تحتضنها مدينة طنجة عاصمة البوغاز وعروس الشمال، هذه المدينة المناضلة والرائدة سياحيا واقتصاديا.
و يُمثل هذا اللقاء الذي التأم له هذا الجمع المبارك خامس دورة تكوينية تنعقد حول موضوع: «العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية”.
وبهذه المناسبة أود بداية أن أرحب بالسادة المسؤولين القضائيين عن النيابات العامة ونوابهم وقضاة التحقيق بالدوائر القضائية لمحاكم الاستئناف بالرباط، القنيطرة، طنجة، تطوان والحسيمة، والسادة ولاة الأمن ورؤساء المصالح الأمنية والشرطة القضائية والقواد الجهويين للدرك الملكي ورؤساء السريات وضباط الشرطة القضائية العاملين بالدوائر القضائية المذكورة، منوهاً بما تبذلونه من مجهودات وتضحيات بكل تفان ونكران للذات من أجل الحفاظ على أمن المواطنات والمواطنين وسلامتهم.
كما أود بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر الجزيل للسيد المدير العام للإدارة العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي على تفاعلهما و انخراطهما في إطار مبادرات رئاسة النيابة العامة الرامية إلى تعزيز التواصل والتنسيق بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية مُشيدا بمستوى علاقة التعاون القائم فيما بينها وبكل أشكال الدعم والمساعدة التي يقدمانها للعدالة عامة ولرئاسة النيابة العامة خاصة.
حضرات السيدات والسادة؛
إن انعقاد هذه الدورة التكوينية اليوم بمدينة طنجة يأتي في إطار استكمال سلسلة الدورات التكوينية الجهوية التي انعقدت بكل من فاس و مراكش و الدار البيضاء و اكادير، و التي يتم تنظيمها من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي ، و التي تهدف إلى تقوية أواصر التعاون الذي يجمع هذه المكونات من جسم العدالة، كما يأتي انعقادها أيضاً في سياق تتبع تنفيذ مخرجات اللقاء التواصلي المنعقد برحاب المعهد العالي للقضاء يومي 11 و 12 يونيو 2021، والتي تمخضت عنه مجموعة من التوصيات لاسيما في الشق المتعلق بتعزيز التواصل وتشجيع عقد اللقاءات بين مكونات أجهزة العدالة الجنائية محلياً وجهوياً ومركزياً.
وسيستفيد من مجموع هذه الدورات التكوينية حوالي 1000 مشارك و مشاركة من بينهم مسؤولون قضائيون عن النيابات العامة و قضاة التحقيق بالمحاكم الابتدائية و محاكم الاستئناف ومسؤولو الشرطة القضائية التابعون للإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي و ضباط الشرطة القضائية العاملون بالدائرة القضائية لمحاكم الاستئناف بكل من طنجة وتطوان والحسيمة والرباط والقنيطرة ، و تهدف هذه اللقاءات التواصلية إلى تدارس ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في إطار المقاربة التشاركية التي تتبناها رئاسة النيابة مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في كل ما يخدم مصلحة العدالة ويساهم في الرفع من قدرات المنتمين لها، وهو ما يتجلى في تعيين السيد الرئيس المنتدب لثلة من السادة قضاة التحقيق للمشاركة معنا في أشغال هذه الدورة التكوينية، والذي أتوجه إليه بهذه المناسبة بالشكر الجزيل على تفاعله ودعمه المتواصل لرئاسة النيابة العامة في كل مبادراتها الرامية إلى تكريس قاعدة التواصل وتعزيز قدرات العاملين بالعدالة.
حضرات السيدات والسادة؛
إن التفكير في تنظيم هذه اللقاءات العلمية يعكس الرغبة التي تحدونا جميعا كفاعلين في العملية القضائية و مشرفين على تدبير شأن العدالة من أجل التفكير في إيجاد الحلول الملائمة لعلاج مظاهر النقص والقصور التي تحول دون الوصول إلى إرساء دعائم عدالة ناجعة ضامنة للحقوق و الحريات تستجيب لتطلعات المواطنين، هذه الرغبة التي كان منطلقها الاجتماع التنسيقي الذي انعقد بالمعهد العالي للقضاء يومي 11 و12 يونيو 2021، والذي خلصت توصياته إلى تكريس التواصل والدعوة إلى عقد اجتماعات دورية بين كل مكونات أجهزة العدالة الجنائية محلياً وجهوياً ومركزياً من أجل تدارس الإكراهات التي تواجه الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون في الممارسة العملية
حضرات السيدات والسادة؛
لا يخفى على حضراتكم أن العدالة الجنائية تعد من الأسس التي تحقق الأمن المجتمعي من خلال ملاحقة مرتكبي الأفعال الإجرامية والبحث معهم ، وصولا إلى إصدار حكم يحقق الردع الخاص والعام ويمكن من جبر الأضرار التي تطال الضحايا والمجتمع. فنجاح العدالة الجنائية يمر لزاما عبر تحسيس الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون ، وباقي مساعدي العدالة بدورهم الإيجابي الذي ينبغي أن يضطلعوا به باعتبارهم فاعلين أساسيين فيها.
و في هذا الإطار يعتبر البحث الجنائي من ضمن الآليات القانونية التي تؤثر في العدالة الجنائية إيجابا أو سلبا، وأحد مداخل المحاكمة الجنائية العادلة التي تعد من المبادئ السامية التي أقرتها أهم المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، وتبناها الدستور المراجع لسنة 2011 وقانون المسطرة الجنائية من خلال المحاضر التي تنجز بشأنه تبعا لشكاية المتضررين من الفعل الجرمي و هو ما يلقي على عاتق المكلف بالبحث الجنائي التزامات تفرض عليه التمتع بالموضوعية والحياد، والحرص على حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم تكريسا لحق تيسير الولوج إلى العدالة، ومراعاة كافة الضمانات القانونية المخولة للمشتبه فيهم كإشعارهم بالجريمة المنسوبة إليهم، والحق في التزامهم الصمت، و الحق في المساعدة القانونية ومؤازرة الدفاع، واحترام مدة الوضع في الحراسة النظرية وضوابط تمديدها ، والتقيد بالقواعد الناظمة لتفتيش المنازل والأمكنة، والحرص على مراعاة الإجراءات الشكلية المتطلبة قانونا في البحث الجنائي لتفادي تعرضها للبطلان.
و لا شك في ان احترام الإجراءات أعلاه إلى جانب كونها التزاما قانونيا صرفا، فإن خرقها يعد مدخلا لتقديم مجموعة من الدفوع الشكلية من طرف هيئة الدفاع أمام المحكمة المعروضة عليها القضية، والتي قد تقضي ببطلان المحاضر أو الإجراء المعيب مما يضعف المحضر كوسيلة للإثبات لا سيما أمام الحجية التي تتمتع بها في الجنح، فضلا عن اعتمادها أساسا لرفع تظلمات أو شكايات أمام القضاء الوطني أو في شكل بلاغات فردية أمام المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات سلبية تؤثر على صورة العدالة ببلادنا ، ويقوض كل المجهودات الجبارة التي يتم بذلها في سبيل تكريس حماية الحقوق والحريات وتفعيل شروط المحاكمة العادلة وفق ما نص عليه دستور المملكة والمواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع.
كل ما سبق بيانه يبرز بشكل واضح أهمية البحث الجنائي في إذكاء المقومات الأساسية للعدالة الجنائية باعتباره من بين المؤشرات التي يَرْكَنْ إليها كل متتبع لها بما في ذلك الدفاع وأطراف الخصومة لتقييمها، وهذا ما يتطلب منا جميعاً تشخيص واقع إنجاز الأبحاث الجنائية، من خلال القيام بدراسة دقيقة له، من أجل رصد المكتسبات والممارسات الجيدة وتثمينها، والوقوف على الصعوبات والمعيقات والبحث عن الطرق المثلى لمعالجتها. انطلاقا من التجارب المهنية التي راكمتموها كأجهزة مكلفة بإنفاذ القانون.
حضرات السيدات والسادة؛
تعد الأبحاث الجنائية أحد المرتكزات التي تنبني عليها المحاكمة الجنائية العبادلة، لا سيما في الجنح وذلك انطلاقا من الحجية التي أضفاها المشرع المغربي عليها في هذا الإطار بموجب المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية، مما يجعل الباحث ملزما بإجراء البحث والتحري بشكل مهني واحترافي وبمصداقية تامة وحياد عن كل المؤثرات، وأن يأخذ مسافة بينه وبين الأطراف المتنازعة، مع ضرورة إبراز شخصيته على مستوى إدارة البحث من خلال طريقة الاستماع وانتقاء الأسئلة الهادفة والمثمرة وتقنيات المواجهة والبحث عن الأدلة والتفاعل الإيجابي مع كل المعطيات التي قد تفيد البحث وتفادي الإجراءات التي قد تعرقل حسن سيره أو تعطل مساره، انتهاء بتحرير محضر يتضمن كل ما تم القيام به والذي من شأنه أن يكون نموذجيا ومرجعا يمكن الاستئناس به في الممارسة العملية لضباط الشرطة القضائية.
ومن جهة أخرى، وأمام اعتماد أساليب جديدة في ارتكاب الجريمة، وظهور أشكال مستحدثة من الجرائم بسبب التقدم التكنولوجي والتقني الهائل الذي عرفه العالم، أصبح لزاماً على الأشخاص المكلفين بالأبحاث الجنائية وكذا المشرفين على سيرها مواكبة هذا التطور من خلال تحسين مهاراتهم وقدراتهم في مجال الأدلة العلمية و الرقمية والخبرات التقنية وكيفية أخذ العينات من مسرح الجريمة حفاظا على آثارها، وذلك بالنظر لأهمية ذلك في فك شفرة الجرائم المعقدة التي ترتكب باستعمال وسائل تقنية وعلمية يصعب الكشف عنها بواسطة طرق الإثبات التقليدية.
وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بكون القضاء المغربي أصبح يعتمد في العديد من أحكامه على الدليل العلمي لإثبات بعض الجرائم التي قيدها القانون بشكليات معينة كما هو الحال بالنسبة لجريمة الخيانة الزوجية التي اشترط القانون لإثباتها إما حالة التلبس أو الاعتراف، حيث ذهب في هذا الإطار إلى السماح بإثباتها بمقتضى التسجيلات المثبتة بالكاميرات، كما اعتمد أيضا الخبرة الجينية كوسيلة لإثبات جرائم أخرى كجرائم العرض.
هذه الأمثلة وغيرها دليل على الأهمية القصوى التي بات يشكلها الدليل العلمي في مجال الأبحاث الجنائية، وهذا ما يقتضي من أجهزة إنفاذ القانون مواكبة التطور التكنولوجي والرقمي ومهارة توظيفه في مجال محاربة الجريمة.
حضرات السيدات والسادة؛
إن الرفع من جودة الأبحاث الجنائية وتحديث آليات وأساليب اشتغالها وتأهيل المكلفين بإنجازها لا يمكن أن يسهم في النهوض بالعدالة الجنائية ببلادنا ما لم يتعزز بإذكاء ثقة أفراد المجتمع فيها بما في ذلك أطراف الخصومة الجنائية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتحلي كافة الأجهزة المتدخلة في إنتاج العدالة الجنائية بقيم المروءة والنزاهة والأخلاق المهنية، وذلك تكريسا لمبدأ تخليق الحياة العامة الذي يعد من التوجهات الملكية السامية التي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليها في خطبه السامية ، ومن بينها ما ورد في نص رسالة جلالته السامية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العام التي نُظمت بالرباط بتاريخ 29/10/1999 والتي جاء فيها (….. وإن تصاعد الاهتمام الدولي خلال السنوات الأخيرة بمشكلة الفساد الإداري ليضاعف من اجتهادنا لتحقيق مانحن بصدده من ربط المفهوم الجديد للسلطة بمفهوم الخدمة العامة وصيانة الحقوق وحفظ المصالح واحترام الحريات والقوانين. وفي ذلكم تلبية لما يحض عليه ديننا و أخلاقنا وتنص عليه مواثيق الأمم المتحدة من ضرورة العمل على تلافي مخاطر الرشوة واللامبالاة والإهمال عمدا أو جهلا أو ما إليهما مما يحول دون توفير أسباب النماء والتقدم…) .
كما جاء في نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالته دام عزه ونصره ، يوم الثلاثاء 30 يوليوز 2013، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لاعتلائه عرش أسلافه الميامين والذي جاء فيه ما يلي:
(ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل “الضمير المسؤول” للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته). كما جاء أيضا في خطابه السامي الموجه إلى القمة 31 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المنعقدة بنواكشوط يوم 01 يوليوز 2018.: (إن مشكلة الفساد لا يمكن اختزالها فقط في بعدها المعنوي أو الأخلاقي.
فالفساد ينطوي أيضاً على عبء اقتصادي، يُلقي بثقله على قدرة المواطنين الشرائية، لا سيما الأكثر فقراً منهم. فهو يمثل 10 بالمائة من كلفة الإنتاج في بعض القطاعات الاقتصادية
وعلاوة على ذلك، يساهم الفساد في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظَّمة، وانعدام الأمن والإرهاب. ) انتهى النطق الملكي السامي.
وتفعيلاً لهذه التوجهات الملكية السامية بادر المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى وضع مدونة للأخلاقيات القضائية حددت مجموعة من قواعد السلوك التي ينبغي على القضاة إما الالتزام بها أو تفاديها في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحافظ على هيبة القضاء وحرمته ويسهم في إذكاء ثقة المواطن في العدالة. وتتقاطع هذه المدونة بخصوص ما تضمنته من مبادئ أخلاقية مع مدونة قواعد السلوك التي وضعتها المديرية العامة للأمن الوطني بالنسبة لموظفي الأمن الوطني وأيضا مع ميثاق الأخلاقيات والسلوك الذي وضعته قيادة الدرك الملكي بالنسبة لمنتسبيها حيث تتقاسم هذه المدونات جلها قواعد للسلوك تنصب في مجملها على قيم أخلاقية ومهنية نبيلة من قبيل النزاهة والتجرد والشرف والحياد التي ينبغي التحلي بها خلال مباشرة المهام المذكورة كل من موقعه.
وإذا كانت مدونات وقواعد السلوك تشكل إطاراً مرجعياً لفرض الأخلاقيات المهنية، فإن دور أجهزة الرقابة الإدارية وهيئات التفتيش في هذا المجال يبقى أساسياً ومحورياً للإسهام في فرض احترام وتفعيل هذه القواعد والانضباط لمبادئها دون أن نغفل دور الرقمنة التي أصبحت تشكل في وقتنا الراهن إحدى الآليات المعززة للشفافية والنزاهة، وهو ما يقتضي منا التفكير الجماعي لإيجاد حلول مبتكرة بغية تعزيز الربط المعلوماتي بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية والمعنيين بها، والعمل على التسريع من وتيرة رقمنة الخدمات.
و يظل التشبع بمبادئ النزاهة والشرف وبباقي القيم الأخلاقية من بين المداخل الأساسية للرفع من منسوب ثقة المتقاضين وتحقيق رضاهم على العدالة، وضمانة من ضمانات تحقيق شروط المحاكمة العادلة، كما أن تعزيز القيم الأخلاقية في الممارسة المهنية يبقى من بين المتطلبات الأساسية لتنزيل خلاصات تقرير النموذج التنموي الجديد بهذا الخصوص، وذلك حتى تتبوأ عدالتنا المكانة التي تستحقها وتكون في مستوى ما يتطلع إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
ولابد من التأكيد في هذا الإطار على أن تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين المسؤولين عن النيابات العامة وعن مصالح الشرطة القضائية بشكل وثيق ومتواصل وصريح هو الكفيل الأساسي بتفعيل مبادئ هذه القيم والأخلاقيات المهنية سواء من خلال عقد لقاءات تواصلية أو دراسية محلية أو جهوية أو من خلال اعتماد مقاربة تشاركية لمواجهة بوادر كل انحراف أو إخلال قد تبدو معالمه أحياناً.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أجدد شكري للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللسيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي على تفاعلهم الفعال مع مبادرة رئاسة النيابة العامة وانخراطهم الجاد والمسؤول في كل المبادرات التي تروم تعزيز التعاون والتنسيق للرفع من مستوى نجاعة العدالة، والشكر موصول كذلك لكافة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاتها وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية بالإدارات المذكورة وضباطها على تكبدهم مشاق السفر لحضور أشغال هذا اللقاء وما يتحلون به من مسؤولية وحس مهني عال سيسهم لا محالة في إنجاح الأهداف المتوخاة من هذه الدورة التكوينية بغية الرفع من مستوى الأبحاث الجنائية وتجويدها وتعزيز التواصل وتكريس الأخلاق المهنية وفق ما يقتضيه القانون والمرجعية الدستورية والمواثيق الدولية. آملا أن تمهد هذه الدورة التكوينية الأخيرة لعقد ندوات ودورات تكوينية أخرى بشكل منتظم بين النيابة العامة ومكونات الشرطة القضائية سواء على المستوى المحلي أو الجهوي وهو ما سيمكن من حضور أكبر عدد ممكن من ضباطها تعميماً للفائدة ومن أجل مواصلة النقاش أيضاً بشأن محاور هذا اللقاء وإغنائه بأفكارهم ومقترحاتهم وصياغة الحلول الكفيلة بتجاوز الصعوبات التي تعترض القيام بالمهام المشتركة.
والشكر موصول أيضاً لكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز وكذلك لكافة السادة المتدخلين الذين سيغنون بمداخلاتهم ونقاشاتهم أشغال هذه الدورة التكوينية، آملاً أن تشهد هذه الدورة على غرار مثيلاتها من اللقاءات السابقة نقاشاً هادفاً ورصيناً ينصب على رصد الإشكالات والصعوبات العملية المطروحة على الصعيد المحلي والتي تعترض قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية في تدبيرهم للأبحاث وباقي المهام المرتبطة بالعدالة الجنائية، واقتراح الحلول وإيجاد الصيغ الكفيلة بمعالجتها داعياً إلى صياغة ما ستتمخض عليه أشغال هذه الدورات من توصيات ومقترحات قادرة على الرفع من مستوى العدالة الجنائية ببلادنا حتى تكون في مستوى تطلعات صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتأييد، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وكافة أسرته الشريفة إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته