الأخبار
الرئيسية / الرأي والرأي الآخر / صناعة الخيال: أسرار الكتابة في تجربة شعيب حليفي

صناعة الخيال: أسرار الكتابة في تجربة شعيب حليفي

متابعة: سارة الأحمر

احتضنت مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء بشراكة مع مجلة الرؤى العربية للإبداع والنقد يوم السبت 17 فبراير 2024، في الساعة الثالثة زوالا بقاعة عبد الهادي بوطالب ندوة ثقافية في موضوع “صناعة الخيال: أسرار الكتابة في تجربة شعيب حليفي”. استهلت الندوة التي نسَّقَ أشغالها الأستاذ عبد الرحمان بوطيب بكلمة ترحيبية لمجلة الرؤى العربية للإبداع والنقد شكر إلى إدارة مؤسسة الحسن الثاني، وإلى كل الفعاليات الثقافية والاجتماعية المساهمة في إنجاح الندوة، قدمتها الأستاذة فاطمة عدلي. تلت هذه الكلمة الافتتاحية؛ كلمة الروائي شعيب حليفي، عبر فيها عن شكره للمؤسسة المنظمة لمثل هذه اللقاءات والتي تمنحُ الفرصة لتداول قضايا الثقافة والفكر والإبداع المغربي، وتُسْهم في التعريف بالثقافة المغربية التي يجب أن تكون مدخلا لكل الأسئلة الحقيقية والجوهرية. كانت أولى مداخلات الندوة بوشعيب الساوري التي اختار لها عنوان: “إبداعية النقد الروائي عند شعيب حليفي” قدمها نيابة عنه شريشي لمعاشي ، حيثُ أشار إلى الممارسة النقدية الجديدة التي دشنها الروائي شعيب حليفي في مسار النقد الروائي العربي، وتتحدد في مسار النقد الإبداعي؛ بإصداره لكتاب ثقافة النص الروائي، معلنا عن تخليه عن النقد الأكاديمي الجامعي الصارم وتبني النقد الإبداعي الجمالي الذي يرى أنه أقرب إلى نفسه من صرامة النقد المحتكم إلى المفاهيم والمناهج والنظريات، ويدعو إلى ورش ممارسة نقدية ترتكز على التأمل الشخصي الهادئ في الإبداع الروائي ولا تلغي الكاتب المبدع الذي يظل حاضرا بقوة في فعل النقد. الأمر الذي جعل الساوري يطرح التساؤلات التالية: ما دواعي هذا الانتقال من النقد الأكاديمي إلى النقد الإبداعي؟ ما هو الجديد الذي يحمله هذا الاختيار النقدي؟ ما نوع المعرفة التي يولدها الناقد وهو يقرأ النصوص الروائية؟ ما هو المكان الذي تحتله خبرة الناقد في العمل في هذا الإطار؟ ما العلاقة التي تؤسسها ممارسة النقد مع الإبداع؟ ما هي تجربة القراءة التي تؤدي إليها؟ وما الدور الذي يطلع به الناقد؟للإجابة عن هذه الأسئلة قسم الأستاذ الساوري مداخلته إلى ثلاثة محاور أساس: سعى في الأول منها إلى إبراز دواعي هذا الانتقال المتمثلة في عاملين اثنين؛ أحدهما موضوعي ينطلق من تصور شعيب حليفي الذي يرتكز على أن النقد ينبغي أن يحدد خصوصيته انطلاقا من خصوصيات الجنس الأدبي الذي يكون موضوعا له، وثانيهما ذاتي يتعلق بالهوية الإبداعية لشعيب حليفي التي تبدو للساوري أنها انتصرت على هوية شعيب حليفي الناقد والجامعي الأكاديمي الذي وجد نفسه قريبا إلى الإبداع منه إلى النقد، فارتأى أن يلبس جبة المبدع وهو يمارس الفعل النقدي.أما المحور الثاني فقد أشار فيه إلى سؤال النقد؛ حيث توجه شعيب حليفي في كتابه ثقافة النص الروائي نحو تجديد أدواته ورؤيته ووعيه الفني والثقافي وتثوير قراءاته لهذه النصوص التي لا تتوقف عن اللعب والخلق. في حين أبرز المحور الثالث دور الناقد المتمثل في إضفاء الشرعية على الأعمال الأدبية. وقد جاءت المداخلة الثانية لأحمد كوال الموسومة بـ”من الأنثروبولوجيا إلى الرواية” لتسلط الضوء على قضايا التاريخ، والأنثروبولوجيا، والعَجائبي في رواية شعيب حليفي “خط الزناتي” وكتابه “سبع رسائل إلى صالح بن طريف”، فتمحورت مداخلته في أربع نقط أساسية: الأولى عنوانها بضلال التاريخ؛ والثانية بـ”التاريخ الراوي ومتاعبه”، والثالثة بـ”الأنثروبولوجيا ديوان الثقافة الشعبية”، وأما الرابعة والأخيرة فقد حددها في “ـالعجائبي في رواية خط الزناتي وسبع رسائل إلى صالح بن طريف”؛ حيث أشار في بداية حديثه إلى وجود توافقات بين موقف شعيب حليفي من التاريخ والمؤرخين، وبين ما قرأه في مقدمة كتاب منسي للشاعر معروف الرصافي يحمل عنوان “الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس” على الرغم من اختلاف الحقب التاريخية، ففي سياق التأريخ يُسجل شعيب حليفي نقيصة في مدونات التاريخ تتمثل في انعدام وجود أي وثيقة تخبر بحقيقة القرون المظلمة من تاريخ المغرب، وبحياة السكان الأصليين لهذه الرقعة الجغرافية، وبالقرون الأربعة التي حكمها البورغواطيون. وقد أبرز أحمد كوال دور شعيب حليفي في رواية خط الزناتي المتمثل في نقل التراث الشفهي إلى أجيال المستقبل، منطلقا من التراث الثقافي البدوي الذي ينبش فيه ليزرع فيه الحياة من خلال تحويله إلى الرواية التي تعد أداة لتحصين الهوية المغربية ضد النزعات الإقصائية.وبيَّنَ أحمد كوال ختام مداخلته أن عنصر العجائبي الذي انطوت عليه رواية خط الزناتي التي سعى من شعيب حليفي إلى تحرير المخيلة وتجاوز الحدود التي تفصل الواقع عن اللاواقع حيث تتلاشى الحدود أمام شطحات الخيال مع شخوص أكثر غرابة من حيوانات وطيور وكأن القارئ يلج عالم كليلة ودمنة، وتتغير نظرته للأشياء وتجعله يتجاوز عالم المألوف، وقد يكون غرض ذلك الإمتاع والمؤانسة مثلما قد يحيل على الممنوع السياسي والديني.فيما اختار نور الدين حنيف لمداخلته عنوان: “كتابة المناقب في رواية خط الزناتي للروائي شعيب حليفي”، وقد طرح موضوعة الكرامة أو ما سماها احترازا بالمنقبة أو المناقب، متعقبا أثرها في رواية خط الزناتي، مشيرا إلى عدة مناقب: المنقب الأول هو تناص ديني على لسان موسى الزناتي أثناء حديثه عن الطفل الذي كانه. والمنقب الثاني هو رؤية موسى الزناتي المختلفة وتصوره للذات والوجود من منظورات مختلفة يؤسسها شرط الصمت كمقولة مركزية تتكلم فيها الذات بالإشارة بدل العبارة، ويؤسسه ثانيا شرط الكلام من خلال تفاعل الذات مع ذاتها، ومع التاريخ، والمجتمع، وفي سيرورتها مع محيطها منتجة مجموعة من المقولات أقرب إلى الحكمة والفلسفة منها إلى الخطاب.أما المنقب الثالث فهو في نظر حنيف تفسير الزمان الذي يتكرر في الرواية من خلال حرص الزناتي على أن الزمان يوم واحد، وأحداث الرواية جرت في يوم واحد، فداخل الرواية يعيش القارئ مع أحداث الرواية كأنه في آلة زمنية تلقي به في القرن الثاني عشر ميلادي.وحدد المنقب الرابع في تفسير العدم، فالنقطة هي جزء من علم الزناتي وهي الخروج من العدم إلى الوجود، هكذا فكر موسى وتكلم، باعتبارها بداية للكون ترسم معانيه الأربعة: النار والماء والتراب والهواء. والمنقب الخامس والأخير هو الحَدس، من خلال الراعي الذي يسأل موسى عن علم الغيب فيجيبه بأنه يحدس فقط بما يراه وما يحس به. أما المداخلة الرابعة والأخيرة فقدمها جمال بندحمان الذي مهد لها بما أطلق عليه تحديات الندوة، وثلاثة محاور تتعلق بمحددات الكتابة عند شعيب حليفي جاءت كالتالي: المحور الأول: محددات الكتابة الأكاديمية والنضالية في ارتباط بتجربة الكاتب الروائية. ووسم الثاني بوحدة المجال وتعدد المسارات في حكي حليفي، في حين تناول المحور الثالث رواية خط الزناتي من حيث حكي المجال وصناعة المجال. حدد بندحمان في مقدمة المداخلة تحديات الندوة في عنصرين: التعريف بالخيال باعتباره صناعة في تجربة شعيب حليفي الإبداعية، والقدرة على ضبط أسرار الكتابة في هذه التجربة. مؤكدا على أن تجربة شعيب حليفي ليست واحدة وليست مرتبطة بالخيال فقط لأنه كتب في مجال النضالية العمالية وفي المجال الأكاديمي، وفي هذين المجالين نكون خارج دائرة الخيال. أما على مستوى المقاربة للنص فقد اقترح بندحمان بعض المحددات للانتقال إلى مرتكزات صناعة الخيال منها؛ أن الأكاديمي أسَّس للجدية والانضباط ووضوح الرؤية، ففي الشق النضالي ارتبط بالحرية ودافع عنها، أما الخيال فنتيجة لهما إذ عندما يذكر الخيال فإنه يكون مرتبط بالحرية، لذلك فإن سر الأسرار في صناعة الخيال أنها لم تتخل يوما عن حريتها ولم تخضع لقيود ولم تكن يوما تحت وصاية جهة ما.ويقدم جمال بندحمان في المحور الثاني اقتراحا يقسم الرواة إلى الرواة المبدعين ورواة المشاريع الحكائية، فالصنف الأول يكتبون روايات للإمتاع دون خيط ناظم، والصنف الثاني يكتبون ضمن أهداف محددة في إطار تشعب منسجم ومحدد، ويأتي في طليعة هؤلاء الروائي شعيب حليفي الذي أنتج بغزارة ضمن ذات المجال كل حكاياته، مما يعني غنى هذا المجال بشخوصه وبياضاته التي ملأ الكاتب سياقاتها. وفي المحور الثالث لمداخلته مثل جمال بندحمان لخلاصاته السابقة برواية خط الزناتي مؤكدا أنها رواية توظف العناصر التي أشار إليها؛ المجال الجغرافي، التاريخ المحلي، فهي رواية متحررة من كل القيود التنميطية الممكنة للنوع، فهي تتحدى القارئ الخطي لأنها لا تقدم الحدث جاهزا بل تدعو القارئ إلى إعادة تشييده. وفي كلمة ختامية للقاء أكد شعيب حليفي، على أهمية الخيال والكتابة والرواية في الدفاع عن وجود الأسلاف، وباعتبارها ملاذا ومصيرا وأداة ستحررنا إن لم تكن حررتنا من كثير من القيود، كما تقاسم مع الحضور نصا سرديا أمتع به الحضور وشد انتباهه.وفي ختام اللقاء عبر الحضور في مداخلاته عن أفكار وانطباعات وأسئلة شكلت مداخل جديدة لقراءة نصوص حليفي وللتفكير في علاقة الرواية بالتراث والتاريخ والهوية.

عن Zwawi

شاهد أيضاً

حفل توقيع وتقديم كتاب “على مقياس ريشتر: ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز”

الخميس 26 دجنبر 2024، الساعة الخامسة والنصف مساء بالرباط محتوى الكتابقلّما يتحلى الصحفيون والصحفيات بالجرأة …

اترك تعليقاً