رحال لحسيني
وفي سياق اجتماعي شبه استثنائي غير مرتبط بدرجة الإحتقان داخل القطاع، تم يوم 29 دجنبر 2023 بالدار البيضاء توقيع اتفاق بمثابة إعلان مبادئ بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ممثلة للحكومة والمكونات النقابية المركزية والقطاعية الفئوية ذات التمثيلية، بشكل غير متوقع، خصوصا وأن “الخلوة الجديدة” بين الوزارة والنقابات كان من الممكن ألا تخرج عن نفس السياق السابق المتمثل في تبادل الآراء والاستماع للتعديلات على المشاريع المقدمة من طرف الإدارة وتلقي الوعود بالتوصل بالتقارير والصياغات الجديدة ولا يتم تزويد الشركاء الاجتماعيين بها بشكل مسترسل.وعموما لم يكن لهذا التوقيع أن يتم بالمضمون والسلاسة التي جاء بهما، لولى معطيين أساسيين، لا علاقة لهما بشروط موضوعية كان من الممكن أن توفرها تحولات البنية القانونية للقطاع، والمفروض أن تكون قد أنتجت احتقانا اجتماعيا تقتضيه المرحلة، والذي لم تفرزه، للأسف، عدد من النضالات التي تشهدها الساحة الصحية، والتي لم تحرك ساكنا لدى أصحاب القرار، على ما يبدو، ما دامت لم تفضي إلى استدعاءات مستعجلة أو متأنية للحوار الطارئ أو مواصلة “الحوار القطاعي” المفتوح سلفا، مما يستنتج منه أن هناك “سعي معين” لوأد العمل النقابي المركزي داخل قطاع الصحة، والذي أصبح المطلوب منه (حسب الوقائع المتواترة) ألا يكون مزعجا إن أراد الفاعلون فيه التواجد كشركاء اجتماعيين يشهدون على تحولات جوهرية يجهل ما إن كانت بين أيدي مدبري القطاع؟- ولا يستطيعون التأثير فيها كما ينبغي.فأصبح الاحتجاج المركزي داخل قطاع الصحة يقابل بالتجاهل وكأن هذه الوزارة ليس لها أي هاجس للإنصات لانتظارات ومخاوف موظفيها عبر “القنوات”المخول لها القيام بذلك. هذا التجاهل يكاد أن يضاهي حجم التحولات القانونية البنيوية التي يمر منها القطاع، مع اعتماد جولات “حوار غير فعال” حطمت رقما قياسيا في عددها، كانت بمنزلة مسكن يساهم في مرور مرن لقرارات يستشف منها الكثير من الخطورة والمخاوف وسط معظم العاملين في القطاع، كان من الضروري التصدي لها في حينها وتدقيق صياغتها والحرص على توثيق ضماناتها.وبكل اختصار، رحال لحسينين رصد المعطى الأول في تصاعد حدة المعركة المفتوحة لموظفي التربية الوطنية كأحد دوافع توقيع اتفاق 29 دجنبر 2023 في قطاع الصحة، تحت ضغط وهاجس تكرار سيناريو قطاع التعليم في الصحة.وثانيهما الدور البارز ل “التنسيقيات” في توهج المعركة التعليمية واتساع دائرة الانخراط فيها، فضلا عن ملابسات أخرى وبدرجة أقل (يمكن الرجوع إليها لاحقا) حتى وإن جاء الاتفاق عاما وبأقل من التوقعات، كنتيجة للسقف المتفاوض حوله والذي لم يتجاوز في عمومه سقف قطاع التعليم، علما أن المطالب المرفوعة قبل ذلك كانت أعلى، على المستوى المادي.علما أن الشق المتعلق بالوضع القانوني والمهني لعموم نساء ورجال الصحة كان يستدعي أكثر، ويتطلب المزيد من التحقق من صون المكتسبات وتحقيق المطالب المهنية، ناهيك عن عائد مادي يناسب المتغيرات التي يعرفها القطاع.لكن؛ وعند انطلاق الحوارات المتممة لهذا الاتفاق داخل أروقة وزارة الصحة، والمفروض أنها مخصصة لتنفيذ ما تم التوصل إليه بالدار البيضاء، والبث في تفاصيل مطلبية أخرى، تم البدئ بعروض مالية ضعيفة كادت أن تقبل لولا بعض “المستجدات” التي ساهمت في استمرار الحوار القطاعي لفترة أطول. ثم توالت توقيعات محاضر اجتماعات يناير 2024 مع وزارة الصحة دون تحقيق الزيادة العامة في الأجور لجميع موظفي القطاع، حيث تسمية الرفع من التعويض عن الأخطار المهنية لبعض الفئات الصحية -وإن كان ذلك أقل من المنتظر- (الممرضين وتقنيي الصحة بمبلغ 1500 درهم والأطر الإدارية والتقنية 1200 درهم) بالزيادة العامة في الأجر الثابت، واحتسابها في خانة التعويض عن الأخطار المهنية (باستثناء محضر واحد) فقد جاء هذا المكتسب على علاته (المجهول المصير الآن!) أقل من “مكتسب” قطاع التعليم الذي تمت المقارنة به (على الرغْم من عدم وجود أوجه للمقارنة لعدم وجود نفس المعطيات والظروف).
وبذلك لم يتم إقرار استفادة نساء ورجال الصحة من الزيادة العامة في الأجور داخل الحوار القطاعي، اعتبارا لكون الزيادة العامة في الأجور في قطاع معين تكون شاملة للجميع وبنفس المبلغ، وأن ما تم الحديث عن تحقيقه يتعلق فقط بالرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية (لبعض الفئات) لا يسري عليه حقيقة وصف الزيادة العامة في الأجور لموظفي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية. فضلاً على كون الزيادة العامة في الأجور التي تتم في بعض القطاعات لا تحرم العاملين فيها من الاستفادة من الرفع من قيمة التعويضات أو إحداث بعضها لفئات منهم تستحقها، كما حدث (وسيحدث) في نفس هذه المدّة الزمنية ولايتم احتساب تعويضاتهم كزيادات عامة …
يتبع
الجزء الثاني: ملابسات الحوار المركزي وتداخلا المعطياتالجزء الثالث: التنسيق النقابي وأفق المعركة النضالية لنساء ورجال الصحةالجزء الرابع: تجاهل الحكومة ووزارة الصحة وحاجيات وانتظارات الموظفين والمواطنينالجزء الخامس: العوائق الموضوعية والذاتية وسبل تجاوز الأزمة وتحقيق المطالب