الأخبار
الرئيسية / الرأي والرأي الآخر / توغل طفيليات الدراما في المغرب: أزمة ضمير أم اختلال مراقبة؟

توغل طفيليات الدراما في المغرب: أزمة ضمير أم اختلال مراقبة؟

بقلم: البشيري بنرابح – فنان وأستاذ مادة المسرحيين

يفقد الفن روحه، يصبح صدى فارغًا يتردد في قاعات باردة، لا يلامس الوجدان ولا يحرك الأسئلة، هذا ما أصاب الدراما المغربية في السنوات الأخيرة، حين تسللت إليها طفيليات لا تؤمن برسالة الفن ولا بجمالياته، وقد تحركها أطماع شهرة عابرة ورغبة في تسويق الذات دون بوصلة ولا رؤية، إنه التسلل الذي لم يكن بريئًا ولا عفويًا، بل ممنهجًا، متواطئًا مع غياب القانون، متغذيًا على ضعف المراقبة وغياب الضمير.ماتت القيم الجمالية حين أصبحت الوجوه تُفرَض على الشاشات لا لأنها تُجيد التعبير، وإنما هي تملك متابعين، وتحترف الظهور بدل الاحتراف. كما قال أنطونان آرتو: الفن ليس مرآة للحياة بل مطرقة لإعادة تشكيلها، غير أن المطرقة صارت خفيفة، عاجزة عن التغيير، لأن من يحملها لا يعرف وزنها ولا يعترف بثقلها التاريخي.كيف نُقنع جمهورًا مغربيًا واعيًا بأن عليه أن يتصالح مع دراما لم تعد تمثله، مع شخصيات لا تُشبهه، مع قصص لا تعبّر عن همومه؟ كيف نسترجع شغفًا اندثر حين تحوّلت الساحة إلى سوق، يباع فيها الدور لمن يدفع أكثر أو يتنازل أكثر؟الدراما المغربية، وهي إحدى أبرز المرايا التي يرى بها المجتمع نفسه، أُصيبت بنوع من التشويه المقصود، وكأن من يديرها لا يريد لها أن تقول الحقيقة، وهي تُلهي وتُلهب وتُطمس. يقول بيتر بروك إن المسرح الحقيقي لا يحتاج إلى مكان، فقط إلى ممثل صادق ومتلقي مستعد للتأمل، غير أن الصدق صار رفاهية، والمتلقي صار مُستهلِكًا ساهمت الفوضى في تخدير حاسته النقدية.أمام هذه الرداءة المستشرية، لا يُمكن تبرئة المؤسسات، ولا تبرئة الشركات، ولا حتى الجمهور. حين تُصرف أموال الدولة في إنتاج يُقصي الرواد ويُقصي الموهوبين، ويُقصي حتى الرغبة في التجريب، فإن الأمر لا يتعلق بضعف وإنما هو انحراف.وحين تختار شركات التنفيذ أن تستثمر في شهرة المؤثرين، لا في موهبة المؤدين، فإنها تعلن عن تحوّل الفن إلى رقم، والمشهد إلى واجهة تُلمّع الواجهة فقط. أما الوزارات التي تسكت عن هذا العبث، فهي شريكة في تفريغ المضمون وتكريس الاستهلاك.الجمهور بدوره لم يعد بريئًا تمامًا، حين يُعيد إنتاج نفس الرداءة بالمتابعة، حين يُهلل لصورٍ تُباع له على أنها دراما، وهي لا تصل حتى لمستوى الحكاية. وكأن الزمن الجميل انتهى، وكأن الصنعة اندثرت، وكأن المسرح الذي قال عنه جان فيلار إنه “أداة من أدوات التربية الشعبية” قد أُفرغ من بعده التربوي، وصار ملهاة في عصر اللا جدوى.ما يحدث اليوم لا يتعلق فقط بالأذواق، بل بهوية تُسرَق. حين تتغول الرداءة، فإنها تهمّش الفنان الصادق، وتقصي صوت العقل، وتُحاصر كل من لا يدخل اللعبة بشروطها المسمومة، وإنه في نظري ان البلد الذي لا يقدّر مبدعيه، لا يكتب تاريخه، ولا يحمي ذاكرته، ومن هنا لا يعتبر الفن ترفًا ولا زينة بل ضرورة إنسانية تُعلي من قيمة الإنسان. فيلسوف الفن نيتشه قال إننا “نملك الفن كي لا نموت من الحقيقة”، ولكن حين يفقد الفن صدقه، تصبح الحقيقة موتًا مزدوجًا: موت الوعي وموت الذوق.لن تُحل هذه الأزمة بلا مساءلة شاملة، وبلا إعادة الاعتبار لماهية الفن، بلا نفض الغبار عن المؤسسات، وبلا صحوة ضمير لدى كل من شارك، عن قصد أو دون قصد، في خنق الصوت الجمالي الحقيقي. فالفن الذي لا يوجع، لا يُنقذ، والذي لا يُحاسب، لا يرتقي.البشيري بنرابح

عن Zwawi

شاهد أيضاً

مأسسة اللجنة الجهوية لتتبع وتنفيذ المخطط الجهوي لمحاربة الأمية بجهة بني ملال –خنيفرة

ترأس والي جهة جهة بني ملال خنيفرة، السيد محمد بنرباك، بمعية مدير الوكالة الوطنية لمحاربة …

اترك تعليقاً