
رضوان أكدال
ماذا عن الجراح المفتوحة في خريبكة؟سيدي الرئيس،في رسالتي السابقة، حاولت أن أكتب بإنصاف، وأعطي للإنجاز حقه، وأعترف بنجاحاتكم التي حوّلت المجموعة إلى قصة يُحتذى بها في الرؤية، والحوكمة، والابتكار.واليوم، أكتب لكم… لا من موقع المعاتِب، ولكن من موقع المؤمن بأن الاعتراف بالمشكل أول طريق للإصلاح.أكتب من خريبكة… مدينة الفوسفاط، لا بالاسم فقط، بل بالعرق والوجع والتاريخ.سيدي الرئيس،لقد نجحتم في جعل المجموعة رائدة عالمياً، لكننا فشلنا – نحن جميعاً – في جعل خريبكة مدينة تليق بثقلها التاريخي وبدورها المحوري في قصة المجموعة.نجحتم في الانتقال من تصدير المادة الخام إلى إنتاج القيمة المضافة،لكن ماذا عن البيئة التي فُجّرت أراضيها؟ماذا عن الفرشة المائية التي نضبت، ولم تُعوّض بماء مُعاد التدوير أو بمحطات تحلية؟ماذا عن الأراضي التي انتُزعت باسم المنفعة العامة، ولم تُسترجع بعد انتهاء الاستغلال؟نجحتم في بناء منظومة تعليمية عالمية، جامعة محمد السادس، وفروع لها في فرنسا وكندا ودول ومدن مغربية أخرى،لكن ماذا عن أبناء المتقاعدين من “العطاشة”؟ ماذا عن أبناء المدينة؟أولئك الذين لا يجدون مقعدًا في التكوين، ولا مقاولة تحتويهم، ولا منصبًا يحفظ كرامتهم.ماذا كانت لتكون هذه المدينة لولا أبنائها البررة؟لولا أولئك الذين غامروا بحياتهم، وتغربوا، وتجرعوا مرارة الإقصاء في مدينتهم وقهر الغربة؟لكنهم عادوا… وبنوا المدينة، وفعلوا ما لم يفعله المكتب.سيدي الرئيس،نجحتم في ابتكار نموذج للتنمية الصناعية، لكننا فشلنا في بناء نسيج اقتصادي حول المنجم.لا مناطق صناعية حقيقية، ولا منظومة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة تخلق فرص الشغل وتحفظ الأمل.كيف لجهة بني ملال خنيفرة أن تحتوي فقط على 270 هكتارًا من المناطق الصناعية،وتُصنّف الأخيرة بين جهات المغرب، وفي قلبها عملاق الصناعات الفوسفاتية في العالم؟كيف لأبناء خريبكة أن ينتظروا، بعد أكثر مئة عام من تواجد المجموعة،لتأتي شركة صينية وتمنحهم الأمل في بناء منطقة صناعية بمساحة 300 هكتار،أي أكثر مما أنجزه كل الفاعلين الجهويين منذ الاستقلال!أين هي منطقة “فيرتي بارك” الموعودة؟أين هي المنظومة الصناعية؟لا يمكن بناء منظومة صناعية من دون منطقة مؤهلة قادرة على استيعاب المستثمرين،ولا من دون شراكات فعلية تُحوّل الفوسفاط إلى فرص.سيدي الرئيس،أين هو البعد الاجتماعي في استراتيجيتكم؟في خريبكة، لا يزال الكثير من الشباب يعمل في “نظام التناوب” المهين عبر شركات الوساطة.نفس المنصب، نفس المهام، نفس الأجر… لكن بدون أمان وظيفي، ولا أفق مهني.لقد تعاملت شخصيًا مع شباب يعملون في نفس المواقع منذ سنوات،لكن المشغل يتغير كل سنتين أو ثلاث، وكأنهم يُدارون بنظام “إعادة التوزيع المؤقت”.أما الآباء… فقد أُنهكت صدورهم بأمراض مهنية مزمنة، دون اعتراف رسمي.والبعض من الباقين على قيد الحياة… ينتظرون فقط التفاتة إنسانية بسيطة.أبناؤهم، في المقابل، يعانون البطالة، أو الهشاشة، أو الشغل في قطاع غير مهيكل.سيدي الرئيس،أين هو البعد البيئي والتنموي في استراتيجيتكم؟أين هو دور المجموعة في إعادة تأهيل الأراضي المنتهية الاستغلال؟في بناء مشاريع كبرى داخل خريبكة، وليس فقط خارجها؟أكثر من 37 ألف هكتار اليوم تنتظر التأهيل.أراضٍ تُصنَّف كاحتياطي استراتيجي للمجموعة… دون أي رؤية تشاركية مع الجماعة أو المواطن.أصبحت المدينة محاصرة: جل الأراضي داخلها وخارجها ملكٌ للمكتب.والمدينة لا تملك هامشًا للتخطيط العمراني بعيد المدى.في المقابل، تتوسّل بعض الأراضي من أجل إقامة مشاريع اجتماعية، دون استراتيجية واضحة.وإذا كانت المجموعة قد حصلت على هذه الأراضي سابقًا باسم “المنفعة العامة”،فقد آن الأوان اليوم لإعادتها… بنفس المنطق، للمصلحة العامة.لا يمكن أن تظل المدينة رهينة قرارات تُطبخ في أماكن لا تعرف نبض خريبكة.المنجم الأخضر، مثلًا، يحتوي على وعاء عقاري يفوق 300 هكتار وسط المدينة.لا المكتب بنى المدينة الموعودة، ولا هو أرجع الأرض.بل تحولت، ببطء، إلى قطع أرضية للسكن… بلا روح، بلا هوية، وبلا مردودية مجتمعية.لماذا لم تتحول “المدينة الخضراء” إلى واقع؟لماذا تُبنى فنادق المجموعة في الخلاء بدل أن تُبنى وسط المدينة فتُنعشها؟لماذا بقي المقر المركزي بعيدًا، والقرارات تُصنع في الرباط والدار البيضاء؟وكأن خريبكة، المدينة الأصل، باتت مجرد محطة عبور للفوسفاط.سيدي الرئيس،نعم، المسؤولية لا تقع على المجموعة وحدها.هناك ايضاً جهات أخرى، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها،هي أن خريبكة ليست مجرد مدينة توجد فيها المجموعة،بل مدينة بُنيت حول المجموعة، وعاشت لأجلها، ودفع أبناؤها ثمن كل تحولاتها.لذلك، من الطبيعي أن نطالب اليوم بدور مضاعف للمجموعة،ومسؤولية استثنائية تتجاوز أرقام الاستثمار، إلى عمق الأثر.نكتب من الألم… ونكتب من الأمل أيضًا.نُشير إلى الخلل، لأننا نؤمن بالإصلاح.نرفع الصوت، لأننا نملك “نية”، وننتظر فقط “ثقة”.لكن، سيدي الرئيس،اسمح لي أن أختم بسؤال بسيط…هل تعرف، سيدي، قصة “آندي ديفرين”؟ذلك السجين في سجن “شاوشانك” بأمريكا،الذي كان يكتب كل أسبوع رسالة إلى إدارة الولاية.لم يكن يطلب حريته…بل كان فقط يحلم بمكتبة داخل أسوار السجن.كتب رسالته الأولى… ولم يجبْه أحد.كتب الثانية… ثم الثالثة…وواصل، عامًا بعد عام، دون كلل، دون يأس،لأنه كان يؤمن أن الكلمات الصادقة لا تذهب هباءً.وبعد سنوات من الصمت… جاءه الرد:بنوا له المكتبة التي حلم بها.أنا لست في سجن، يا سيدي،لكن مدينتي… محاصرة بالصمت والتهميش.لهذا، من هذا الأسبوع،سأكتب لكم… كل مرة.رسالة تلو الأخرى…ليس لإزعاجكم، بل لإيقاظ الأمل.لأني، كما فعل “آندي ديفرين”،أؤمن أن الإلحاح الصادق لا بد أن يُثمر،وأن من يُصرّ على الحلم… قد يُوقظ مدينة بأكملها.وتفضلوا، سيدي الرئيس، بقبول فائق الاحترام والتقدير.ابن خريبكة، وابن “العطاشة”
النص الأصلي على الرابط:
https://www.facebook.com/share/p/19d4FKXSxG/