الأخبار
الرئيسية / الرأي والرأي الآخر / المهاجرون الأفارقة في المغرب: أزمة أمنيّة أم إخفاق في مقاربات السياسات العموميّة؟

المهاجرون الأفارقة في المغرب: أزمة أمنيّة أم إخفاق في مقاربات السياسات العموميّة؟

عبد الله مشنون/كاتب صحفي مقيم بايطاليا  

تثير قضية الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب إشكالات معقدة تتجاوز البعد الإنساني إلى أبعاد أمنية واجتماعية وسياسية أعمق؛ حيث تحولت الظاهرة، في السنوات الأخيرة، إلى مصدر قلق يومي للمواطنين المغاربة، مع تصاعد حوادث العنف والسرقة والاعتداءات على الممتلكات، مما طرح سؤالًا إشكاليًا محوريًا: إلى أي حدّ يمكن تحميل المسؤولية للسياسات الحكومية، وإلى أي حدّ تتحمل بنية الدولة وهشاشة منظومتها الأمنية والاجتماعية هذا الانفلات؟ 

 للإجابة ينبغي أولًا الاعتراف بأن الظاهرة ليست مجرد «فوضى مهاجرين»، كما يتصورها الخطاب العام، بل تعكس إخفاقًا بنيويًا في تدبير تدفقات الهجرة وانعدام إستراتيجية واضحة للتوفيق بين مقتضيات حقوق الإنسان وضرورات الأمن العام. فغياب رؤية حكومية متماسكة، خاصة في ظل حكومة الحالية، عمّق من إحساس المواطنين بالخذلان، وفاقم الإحباط لدى الجالية المغربية بالخارج، التي تعود إلى بلدها لتجد واقعًا ينذر بفقدان الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها. وهنا يبرز سؤال نقدي: هل نحن أمام عجز موضوعي بفعل ضغوط إقليمية ودولية، أم أمام تواطؤ ضمني مع شبكات الاستغلال السياسي والاقتصادي لهذه الفوضى؟  

في هذا السياق، لم يعد كافيًا تحميل المسؤولية لوزارة الداخلية وحدها، بل إن القضية تتطلب مساءلة شاملة لمنظومة السياسات العمومية: ما جدوى قوانين الهجرة الحالية؟ ولماذا تتساهل الدولة مع مافيات التهريب والهجرة السرية بينما يدفع المواطنون الثمن؟ وهل هناك حقًا إرادة سياسية للحد من هذه التجمعات العشوائية التي باتت تسيطر على الأحياء الشعبية وتحتل الفضاءات العمومية؟ 

 يجب هنا التمييز بين بعدين متكاملين: أولهما، ضرورة استعادة هيبة القانون وسيادة الأمن كحق غير قابل للمساومة لجميع المواطنين؛ وثانيهما، الوعي بأن المهاجرين أنفسهم ليسوا مجرد «جناة» بل ضحايا بدورهم لأنظمة فاسدة في بلدانهم الأم وسياسات مغربية مرتبكة. والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن للمغرب أن يوازن بين مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية تجاه هؤلاء المهاجرين، ومسؤوليته السياسية والأمنية تجاه مواطنيه؟  إزاء ذلك، فإن الرد الحكومي لا يجب أن ينحصر في حملات ظرفية أو تصريحات انفعالية كما صدر عن بعض الوزراء مؤخرًا، بل يستوجب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل: تعزيز الرقابة على الحدود، تفكيك شبكات الاتجار بالبشر، إعادة تنظيم فضاءات إيواء المهاجرين بعيدًا عن الأحياء السكنية، إلى جانب إصلاح السياسات الاجتماعية والأمنية لتخفيف الهشاشة التي تغذي الصدام بين السكان والمهاجرين.  في النهاية، فإن استمرار الوضع على ما هو عليه يهدد ليس فقط الأمن الفردي والجماعي، بل أيضًا التماسك الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي والسياسي. ولعل سؤالًا آخر يفرض نفسه على الباحثين وصناع القرار معًا: هل يمكن أن يتحول الغضب الشعبي اليوم إلى أزمة ثقة أوسع في الدولة ومؤسساتها إذا لم يُعالج الملف بالحزم والعدالة والشفافية المطلوبة؟  إن التحدي المطروح على الدولة المغربية اليوم لا يكمن فقط في تأمين المدن وضبط الشوارع، بل في بلورة إستراتيجية شاملة تعيد الاعتبار لقيمة الأمن بوصفه حقًا للمواطنين وركيزة لبناء الثقة في المستقبل. فمن دون ذلك، تبقى الفوضى مرشحة للتفاقم، ويبقى الاستقرار الوطني على المحك.

عن Zwawi

شاهد أيضاً

“تروكوت” ضبط مستشارة جماعية في حالة تلبس بحيازة الكوكايين

فكري ولد علي تمكنت مصالح الأمن بمدينة إمزورن، في وقت متأخر من ليلة الخميس 17 …

اترك تعليقاً