
المملكة المغربيةرئاسة النيابة العامة ⵜⴰⴳⵍⴷⵉⵜⵏⵍⵎⵖⵔⵉⴱⵜⴰⵏⵙⵙⵉⵅⴼⵜⵏⵜⵎⵓⵔⴰⵢⵜⵜⴰⵎⴰⵜⵢⵜعــرض السيد الوكيـل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيـابة العـامة، أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن تقرير رئاسة النيابة العامة حـول سيـر النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية برسم سنة 2024 بسم الله الرحمن الرحيموالصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية السيد وسيط المملكة السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان السيد رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض السيدات والسادة أعضاء المجلس المحترمون السيد أمين المجلس الأعلى للسلطة القضائيةيشرفني أن أرفع إلى مجلسكم الموقر التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة برسم سنة 2024، عملاً بمقتضيات المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي أناطت بالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيساً للنيابة العامة، مهمة إعداد تقرير سنوي حول سير النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية.وقد رسّخت رئاسة النيابة العامة هذا التقليد المؤسساتي منذ تحملها مسؤولية الإشراف على النيابات العامة في السابع من أكتوبر 2017، وفاءً لالتزاماتها الدستورية والقانونية، وإيماناً بواجبها في تجسيد مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. ومنذ ذلك التاريخ، دأبت على إصدار تقارير سنوية متتالية، شكّلت مرجعاً لتوثيق أداء النيابات العامة، ورصداً لمؤشراته الأساسية، وتشخيصاً للإكراهات العملية التي تعترضه.وها هو التقرير الثامن، برسم سنة 2024، يأتي امتداداً لهذا المسار التراكمي، ليضع بين يدي مجلسكم الموقر صورة دقيقة عن سير النيابات العامة خلال السنة المنصرمة، وعن حصيلة تنفيذ السياسة الجنائية في مختلف محاورها، مستنداً إلى معطيات كمية ونوعية، تعكس في آن واحد حجم الجهود المبذولة وتكشف عن الاكراهات القائمة.وقد حافظ هذا التقرير على المنهجية المعتمدة في السنوات السابقة، فاستُهل بباب تمهيدي خُصص لاستعراض جهود رئاسة النيابة العامة في تطوير الأداء وتعزيز التعاون والتنسيق مع مختلف الفاعلين في منظومة العدالة. أما الباب الأول فيتضمن معلومات ومعطيات إحصائية دقيقة حول سير النيابة العامة، من خلال تسليط الضوء على النتائج المحققة في مختلف مناحي عملها وفق ما هو مقرر قانوناً، بما في ذلك القضايا الزجرية والمدنية والتجارية وتعزيز مجالات التعاون القضائي الدولي. فيما يستعرض الباب الثاني حصيلة تنفيذ السياسة الجنائية خلال سنة 2024، استناداً إلى أولويات أساسية تمثل ركائز عمل رئاسة النيابة العامة، والموزعة على أربعة محاور كبرى: حماية الحقوق والحريات؛ حماية المرأة والطفل وبعض الفئات الخاصة؛ تخليق الحياة العامة وحماية المال العام؛ وحفظ الأمن والنظام العام وصون سلامة الأشخاص.الباب التمهيدي: جهود رئاسة النيابة العامة لتطوير الأداء وتعزيز النجاعة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقرينيستعرض الباب التمهيدي من التقرير خلاصة الجهود التي باشرتها رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2024 لتطوير أدائها المؤسساتي وتعزيز نجاعة تنفيذ السياسة الجنائية. وقد تميزت السنة المذكورة بكونها محطة مهمة في مسار التحديث الهيكلي والتحول الرقمي للرئاسة، إذ أسفرت مراجعة القرار المتعلق بتنظيم بنيات إدارة رئاسة النيابة العامة وتحديد اختصاصاتها عن إحداث قطب إضافي تحت اسم “قطب التحديث ونظم المعلومات”، أُسندت إليه مهام استراتيجية تتعلق ببلورة التصور العام للتحول الرقمي وإعداد وتنفيذ الاستراتيجية الرقمية للرئاسة، بما يضمن انسجامها مع التوجهات الوطنية في إطار مشروع “المغرب الرقمي 2030”. وبموجب التنظيم الهيكلي الجديد، أصبحت البنية الإدارية للرئاسة تتألف من ستة (6) أقطاب، وسبع عشرة (17) شعبة، وثلاث وستين (63) وحدة، بالإضافة إلى الديوان والكتابة العامة.وبموازاة هذا الورش الهيكلي، أولت رئاسة النيابة العامة في السنة نفسها عناية خاصة للتحول الرقمي باعتباره رافعة أساسية لتحديث أساليب العمل وتعزيز النجاعة القضائية والإدارية، سواء على مستوى بنياتها المركزية أو على مستوى النيابات العامة لدى محاكم المملكة. وقد شملت هذه الجهود اعتماد التوقيع الإلكتروني في عدد من المساطر، وتطوير تطبيقات لتتبع ملفات الإكراه البدني وأوامر الإيداع، وإحداث واجهات معلوماتية ولوحات قيادة ذكية للتتبع الآني لمختلف القضايا، فضلاً عن تقوية البنية التحتية وضمان أمنها السيبراني، وتطوير نظام التدبير المعلوماتي. وهي خطوات تعكس حرص رئاسة النيابة العامة على بلوغ الرقمنة الكاملة لإجراءاتها وتجويد خدماتها.وفي مجال التأطير والتوجيه، أصدرت رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2024 ما مجموعه تسع عشرة (19) دورية، تناولت موضوعات متكاملة؛ منها ما يتصل مباشرة بتنفيذ السياسة الجنائية، وعلى رأسها تفعيل مقتضيات القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، ومنها ما يتعلق بتعزيز التعاون القضائي الدولي، ومنها كذلك ما يروم تحسين تدبير العمل الداخلي للنيابات العامة، لاسيما في ما يخص تدبير ومعالجة الشكايات والمحاضر وتنظيم الرخص السنوية. وقد أسهمت هذه الدوريات في توحيد الممارسة وإرساء مرجعية عملية لقضاة النيابة العامة في المواضيع التي شملتها.وعلى صعيد التعاون التشريعي، رسخت رئاسة النيابة العامة حضورها كفاعل أساس في مسار إصلاح منظومة العدالة، عبر إبداء ملاحظات جوهرية على مشاريع القوانين والمراسيم المحالة من وزارة العدل؛ ومن بينها مشروع مدونة التجارة المحينة، ومشروع قانون التراجمة المحلفين، ومرسوم هيكلة المحاكم. وقد انصبت هذه الملاحظات على تجويد الصياغة التشريعية، وضبط أدوار النيابة العامة، وضمان اتساق النصوص مع المرجعيات الدستورية والممارسات الاتفاقية، فضلاً عن إدماج مقتضيات التحول الرقمي في بنيتها القانونية. أما على مستوى تعزيز التنسيق مع كافة الفاعلين في مجال العدالة، فقد واصلت رئاسة النيابة العامة انخراطها في أشغال الهيئة المشتركة للتنسيق في مجال الإدارة القضائية إلى جانب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل، وساهمت في اعتماد قرارات وإجراءات محورية تتعلق بالتحول الرقمي وتطوير المنظومة المعلوماتية للمحاكم. كما عززت تنسيقها مع قطبي المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي، وقد توج هذا التنسيق بإعداد دليل عملي لتجويد الأبحاث الجنائية، وفي تدارس سبل تنزيل مشروع التبادل الإلكتروني للمعطيات بين النيابات العامة والشرطة القضائية. ومن شأن هذين الورشين أن يشكلا دعامة أساسية لتعزيز فعالية الأبحاث الجنائية، وتوحيد آلياتها، وتسريع وتيرة تبادل المعطيات بين النيابات العامة والشرطة القضائية في إطار مؤمَّن وفعّال، على نحو يكرّس جودة العدالة ويدعم الثقة في مؤسساتها.الباب الأول: سير النيابة العامة السيد الرئيس المنتدب حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية الموقرلقد خُصِّص الباب الأول من هذا التقرير لعرض ملامح سير النيابات العامة خلال سنة 2024، اعتماداً على مقاربة إحصائية وتحليلية دقيقة ترصد تطور عدد قضاة النيابة العامة وتوزيعهم على مختلف محاكم المملكة، وتستعرض حصيلة أدائهم في مجالات متعددة تشمل تدبير الشكايات والمحاضر ومساطر التقديم، ومواكبة التحقيق الإعدادي وجلسات الحكم، فضلاً عن ممارسة طرق الطعن. كما يتناول هذا الباب تدخل النيابات العامة في القضايا المدنية والأسَريّة، وأدوارها في التعاون القضائي الدولي، إلى جانب معطيات أخرى مرتبطة ببعض جوانب التدبير الإداري في عمل النيابة العامة فضلا عن التنفيذ الزجري..ففي ما يتعلق بالموارد البشرية، بلغ عدد قضاة النيابة العامة العاملين بمحاكم المملكة في متم سنة 2024 ما مجموعه 1223 قاضياً وقاضية، بزيادة نسبتها 12.5% مقارنة بسنة 2023، حيث لم يتجاوز العدد آنذاك 1087 قاضياً. وقد توزع هؤلاء القضاة بين 57 قاضيا بمحكمة النقض و311 قاضيا بمحاكم الاستئناف و729 قاضيا بالمحاكم الابتدائية و31 قاضيا بالمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية. ورغم هذا التطور العددي، فإن المعدل الوطني لقضاة النيابة العامة لم يتجاوز 3 قضاة لكل 100.000 نسمة، وهو معدل يبقى ضعيفاً بالمقارنة مع نظيره الأوروبي الذي يفوق 11 ممثلاً للنيابة العامة لكل 100.000 نسمة.أما على مستوى تدبير الشكايات والمحاضر، فقد تمكنت النيابات العامة من تصفية ما مجموعه 497.052 شكاية، أي بما يفوق عدد الشكايات المسجلة خلال نفس السنة (481.145 شكاية)، محققة بذلك نسبة إنجاز بلغت 88% من الرائج وحوالي 104% من المسجل. وقد انعكس هذا المجهود على تقليص حجم المخلف، الذي تراجع من 82.558 شكاية سنة 2023 إلى 66.651 شكاية سنة 2024. وبالموازاة مع ذلك، سجلت المحاضر بدورها مؤشرات إيجابية، إذ بلغ مجموع الرائج 2.423.119 محضراً، تم إنجاز 2.303.029 منها، أي بنسبة إنجاز تقارب 95%. كما انخفض حجم المخلف من 137.311 محضراً سنة 2023 إلى 120.090 محضراً سنة 2024، وهو ما يؤشر على فعالية آليات التنسيق المحدثة مع الشرطة القضائية التي ساهمت في الرفع من وتيرة الإنجاز وتحسين مؤشرات النجاعة في تدبير القضايا.وبخصوص الأشخاص المقدمين أمام النيابة العامة للاشتباه في ارتكابهم جرائم، فقد بلغ عددهم 664.637 مقدما، منهم 632.855 تم تقديمهم أمام النيابات العامة لدى المحاكم الابتدائية و31.782 أمام النيابات العامة لدى محاكم الاستئناف. وقد تقرر متابعة 94.293 متهما في حالة اعتقال، أي بنسبة 14.19% من مجموع المقدمين، وهو ما يمثل انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة. وتجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة أمرت باعتقال 77.148 متهما، فيما اعتقل قضاة التحقيق 17.145 شخصاً، مما يجعل نسبة الاعتقال المباشر الصادر عن النيابة العامة في حدود 11.61% فقط.هذا وقد تم حفظ 26.357 محضرا أثناء التقديم، أي بنسبة 3.97% من مجموع المقدمين، كما تم حفظ 917.427 محضراً ورقياً، أي ما يعادل 37% من مجموع المحاضر. وفي مقابل ذلك، فعلت النيابة العامة الآليات البديلة عن الاعتقال المتاحة قانونا، حيث بلغ عدد المتابعات مقابل كفالة مالية 46.309 متابعة. كما سُجلت 15.862 حالة صلح في إطار المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية.وفي مجال مواكبة قضايا التحقيق الإعدادي وجلسات الحكم، فقد أصدرت النيابات العامة 31.025 ملتمساً بإجراء تحقيق، وقدمت 122.682 ملتمساً بمناسبة سريان مسطرة التحقيق، من بينها 29.607 ملتمسات بختم التحقيق. كما بلغ عدد الجلسات الزجرية التي حضرها قضاة النيابة العامة على الصعيد الوطني 69.450 جلسة، بمعدل 67 جلسة لكل قاض، منها 52.450 جلسة بالمحاكم الابتدائية و17.000 جلسة بمحاكم الاستئناف. وبخصوص طرق الطعن، فقد بلغ مجموع الطعون المقدمة من طرف النيابات العامة 115.942 طعناً، أي بنسبة 4.42% من مجموع الأحكام. توزعت بين 97.100 طعناً بالاستئناف في أحكام المحاكم الابتدائية، و14.025 طعناً باستئناف أحكام محاكم الاستئناف، و4.817 طعناً بالنقض. وهو ما يعكس حرص النيابات العامة على تنفيذ تعليمات رئاستها الرامية إلى ترشيد الطعون وحصرها في الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة.وفي الميدان المدني والأسَري، أنجزت النيابات العامة خلال سنة 2024 ما مجموعه 1.051.631 إجراءً، توزعت بين 39.060 ملتمساً في القضايا المدنية، و308.727 ملتمساً في قضايا الأسرة، و20.539 إجراءً لتدبير وضعية الأطفال المهملين و11.731 إجراءً في قضايا الجنسية، و139.569 إجراءً في قضايا الحالة المدنية، إضافة إلى المصادقة على 532.005 وثيقة عمومية عبر شكلية Apostille.وعلى مستوى التعاون القضائي الدولي، فقد عالجت النيابات العامة خلال سنة 2024 عددا مهما من القضايا سواء في المادة الجنائية أو المدنية. ففي المجال الجنائي، توصلت بـ 322 إنابة قضائية واردة من 35 دولة، أُنجزت منها 140 إنابة، مقابل 44 إنابة صادرة عن السلطات القضائية المغربية نُفذ منها 9، كما تم تبليغ 91% من أصل 970 طياً زجرياً وارداً و90,5% من أصل 660 طياً صادراً. وأصدرت النيابات العامة 102 أمراً دولياً بالبحث وإلقاء القبض، وتوصلت بـ 125 أمراً واردًا جرى تكييفها وفق المقتضيات القانونية الوطنية والاتفاقيات الدولية، كما عولجت 83 قضية تسليم أُنجزت منها 54 قضية. وفي المجال المدني والأسري، تم التوصل بما مجموعه 720 طيا قضائيا، نُفذ منها ما يناهز 49%، إضافة إلى 87 ملفاً لاختطاف الأطفال وفق اتفاقية لاهاي أُنجز منها 35 ملفا، فضلاً عن قضايا استيفاء النفقة بالخارج التي عُولج منها 40 ملفاً. وتؤشر هذه الأرقام مجتمعة على انخراط فعّال للنيابات العامة في تنفيذ التزامات المملكة في مجال التعاون القضائي الدولي، بما يعزز من فعالية العدالة ويحدّ من مظاهر الإفلات من العقاب.أما على مستوى التدبير الإداري والتنفيذ الزجري، فقد عالجت النيابات العامة خلال سنة 2024 ما مجموعه 1.227.038 مراسلة إدارية. وفي مجال التنفيذ الزجري، بلغ مجموع الإجراءات الرائجة 496.211 إجراء، منها 473.973 إجراء منفذا، بمعدل يقارب 456 إجراء لكل قاضٍ. كما أصدرت النيابات العامة 7.532 قرارا برد الأشياء المحجوزة لأصحابها، و410 أوامر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، فضلاً عن تدبير 50.950 ملف حالة وفاة، وتنفيذ 84.578 حكما بواسطة القوة العمومية. وإلى جانب ذلك، أُجريت مراجعة شملت 62.688 ملفا من ملفات الإكراه البدني، أسفرت عن إلغاء 9.998 أمرا بإلقاء القبض لعدم استيفاء الشروط القانونية أو بسبب التقادم.وإجمالا، فقد بلغ مجموع الإجراءات المنجزة على صعيد النيابات العامة خلال سنة 2024 ما مجموعه 7.940.098 إجراءً، بمتوسط 7.635 إجراءً لكل قاضٍ من قضاة النيابة العامة، وهو ما يعادل أكثر من 28 إجراءً يومياً. ورغم التزايد المضطرد الذي يطبع هذا المعدل، فإنه يعكس بجلاء المجهودات الكبيرة المبذولة من طرف قضاة النيابة العامة في سبيل إنجاز مهامهم اليومية على الوجه الأمثل.الباب الثاني: تنفيذ السياسة الجنائية السيد الرئيس المنتدب حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس الأفاضلعلى غرار المنهجية المعتمدة في البابين التمهيدي والأول، خُصِّص الباب الثاني من هذا التقرير لعرض حصيلة تنفيذ السياسة الجنائية خلال سنة 2024 عبر أربعة محاور رئيسية، تتعلق بالتصدي للانتهاكات الماسة بحقوق الإنسان، وبحماية الحقوق والحريات، وتخليق الحياة العامة وحماية المال العام، ثم التصدي لظاهرة الجريمة وصون الأمن والنظام العامين.فعلى مستوى التصدي للانتهاكات الماسة بحقوق الإنسان، أبانت النيابات العامة عن سرعة استجابتها لكل ادعاء يرتبط بسوء المعاملة أثناء إنفاذ القانون. وهكذا سُجلت 150 شكاية تتعلق بادعاء العنف، و7 شكايات تتعلق بادعاء التعذيب. وقد أمرت النيابات العامة بإنجاز 379 فحصاً طبياً ترسيخاً للشفافية وضماناً للموضوعية في الأبحاث والتحريات المأمور بها. ولم يقف الأمر عند حدود التتبع اللاحق، بل امتد إلى الوقاية الاستباقية عبر انتظام زيارات أماكن الحرمان من الحرية، حيث أنجز قضاة النيابة العامة 22.375 زيارة لأماكن الوضع تحت الحراسة النظرية، و1.116 زيارة للمؤسسات السجنية، و186 زيارة لمؤسسات علاج الأمراض العقلية والنفسية، وهي نسب تجاوزت السقف المفروض قانوناً بما يعكس حرصاً مضاعفاً لدى النيابات العامة على الوفاء بما يفرضه القانون في هذا الإطار.أما في مجال حماية الحقوق والحريات، فقد واصلت رئاسة النيابة العامة تكريس مقاربة شمولية لترشيد الاعتقال الاحتياطي، تقوم على تعزيز آليات الرصد والتتبع الإحصائي، وضبط مدى مطابقة أوامر الإيداع الصادرة عن النيابات العامة للمقتضيات القانونية، فضلاً عن تفعيل قنوات التنسيق المؤسساتي على المستويين المركزي والجهوي. وقد أسفرت هذه الجهود خلال سنة 2024 عن تحقيق أدنى نسب للاعتقال الاحتياطي خلال العقد الأخير، إذ لم تتجاوز 31,79% من مجموع الساكنة السجنية البالغ عددها 105.094 نزيلاً عند متم دجنبر 2024.وفي إطار جهودها الرامية إلى حماية الفئات الخاصة، عرفت قضايا العنف ضد النساء تراجعاً ملحوظاً خلال سنة 2024، إذ استقرت عند 26.884 قضية بعدما كانت قد بلغت 29.950 قضية خلال سنة 2023. وفي المقابل، ارتفعت قضايا العنف ضد الأطفال إلى 9.618 قضية، توبع فيها 10.169 شخصاً، فيما بلغ عدد الضحايا 9.948 طفلاً، وهو ما استدعى تفعيل التدابير البديلة وتكثيف إجراءات الحماية المقررة لفائدة هذه الفئة. كما شهدت قضايا الاتجار بالبشر تطوراً ملحوظا، مسجلة 155 قضية، في مؤشر بارز على اليقظة الخاصة التي أبدتها النيابات العامة في مواجهة هذا النوع الخطير من الجريمة وضمان الحماية الفعلية لضحاياه، انسجاماً مع الالتزامات الوطنية والدولية لبلادنا.وعلى مستوى تخليق الحياة العامة وحماية المال العام، واصلت رئاسة النيابة العامة تفعيل آلية الخط المباشر للتبليغ عن جرائم الرشوة والفساد المالي، حيث بلغ مجموع المكالمات الواردة عليه خلال سنة 2024 ما مجموعه 8.967 مكالمة، أسفرت عن ضبط 61 حالة تلبس أُحيلت على الهيئات القضائية المختصة. وقد ترتب عن هذه القضايا صدور أحكام بالإدانة تضمنت عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية، بما يكرّس جدية هذه الآلية ويعزز ثقة المواطنين في فعاليتها. وفي مجال الجرائم المالية، سجلت القضايا الرائجة أمام الأقسام المختصة خلال سنة 2024 تراجعاً نسبياً، إذ بلغت 874 قضية مقابل 948 في السنة السابقة، فيما استقرت قضايا غسل الأموال عند 801 قضية. وقد صدر 289 حكماً خلال هذه السنة، قضت النسبة الغالبة منها (85%) بالإدانة.أما على مستوى التصدي للجريمة وحماية الأمن والنظام العام، فقد سُجلت مؤشرات متباينة، مع ميل إلى الاستقرار في القضايا الإرهابية، حيث توبع 96 شخصاً في إطار 116 قضية. كما سُجلت 85.806 قضية مرتبطة بالأمن والنظام العام توبع فيها 96.257 شخصاً، و169.679 قضية ضد الأشخاص توبع في إطارها 205.816 شخصاً، و71.317 قضية ضد الأموال توبع بشأنها 83.675 شخصاً، إلى جانب 24.053 قضية تتعلق بالجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة، و10.372 قضية تتعلق بجرائم التزوير والتزييف والانتحال. وهي أرقام تجسد يقظة النيابات العامة في مواجهة مختلف صور وأنماط الجريمة.وإجمالاً، فإن الحصيلة المسجلة برسم سنة 2024 تؤشر على مسار إيجابي في تنفيذ السياسة الجنائية، مسار يصبو إلى الارتقاء بعمل النيابة العامة إلى مستوى نوعي، قائم على ترسيخ الضمانات الحقوقية، وترشيد التدابير المقيِّدة للحرية، وتعزيز حماية الفئات الهشة، وتحصين المال العام، والتصدي لمختلف صور الجريمة. وهو مسار ينهل من التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ويترجم في الآن ذاته التزام رئاسة النيابة العامة الراسخ بجعل العدالة أكثر قرباً من المواطن، وأكثر انسجاماً مع قيم دولة الحق والقانون، بما يعزز ثقة المجتمع في مؤسسات العدالة، ويكرّس سيادة القانون ببلادنا.الخلاصات والتوصيات السيد الرئيس المنتدب حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية الموقرلقد انتهى التقرير السنوي إلى إصدار توصيات عملية تهم الموارد البشرية، واللوجستيكية والتقنية، وأخرى تخص تنفيذ السياسة الجنائية.فعلى مستوى الموارد البشرية، أبرزت المعطيات المسجلة خلال 2024 الحاجة الملحّة إلى تعزيز الموارد البشرية واللوجيستيكية بالمحاكم، وفي مقدمتها الرفع من عدد قضاة النيابة العامة وسد الخصاص المقدر بحوالي 800 قاض، ذلك أنّ الزيادة النسبية التي تحققت خلال هذه السنة تبقى غير كافية أمام حجم المهام المتنامي لا سيما في ضوء التعديلات التشريعية الأخيرة، وبعد اعتماد قانون العقوبات البديلة، وفي الأفق القريب سيتم اعتماد أحكام القانون رقم 03.23 المعدل والمتمم لقانون المسطرة الجنائية بعد استكمال المسطرة التشريعية.كما يظل من الضروري تمكين النيابات العامة من العدد الكافي من الأطر والموظفين، مع إيلاء الأولوية لتوظيف المساعدين الاجتماعيين بحكم أدوارهم الجديدة في تنفيذ العقوبات البديلة، فضلاً عن توفير موظفين متخصصين في المجالين الإحصائي والمعلوماتي. وتؤكد الحصيلة كذلك على ضرورة تعزيز المحاكم الابتدائية بعدد كاف من قضاة تطبيق العقوبات وتمكينهم من التخصص لمواكبة المستجدات التشريعية، إلى جانب دعم محاكم الاستئناف بالمستشارين بالنظر إلى التمركز الكبير للمعتقلين الاحتياطيين بها، بما يضمن تدبيراً أمثل لقضاياهم. ولا ينفصل ذلك عن الرفع من الإمكانات البشرية والمادية للشرطة القضائية، مع تمكينها من آليات قانونية ولوجيستيكية متطورة تتيح تحسين مستوى الأبحاث والتصدي للأشكال الحديثة للجريمة.وعلى مستوى الموارد اللوجستيكية والتقنية، فقد كشفت معطيات سنة 2024 عن الحاجة الملحّة إلى مواصلة تطوير البنية التحتية وآليات العمل بما يعزز نجاعة النيابات العامة وجودة خدماتها، وذلك عبر تحديث النظم المعلوماتية المرتبطة بعملها ولاسيما نظام SAJ2 ليشمل جميع مراحل الإجراءات والقرارات القضائية، بما في ذلك قضايا الأحداث والتحقيق الإعدادي والتنفيذ الزجري والمراسلات الإدارية. كما يقتضي الأمر تهيئة المحاكم بما يضمن فضاءات استقبال ملائمة للمشتكين والمرتفقين، وتوفير الربط المعلوماتي مع جميع المحاكم، وكذا مع الإدارات والشركاء الاستراتيجيين وفي مقدمتهم الشرطة القضائية، بما يسمح بإنجاز الأبحاث وإحالة المحاضر بشكل إلكتروني وآمن. وفي السياق نفسه، يبرز مطلب تطوير لوحات قيادة ذكية تمكّن من التتبع الآني لوضعية الاعتقال الاحتياطي والمحاضر والشكايات، وتتيح المراجعة الآلية لبرقيات البحث. كما يستدعي الأمر الرفع من حصة المحروقات المخصصة لسيارات المصلحة المستعملة في زيارات أماكن الحرمان من الحرية، بما يضمن تغطيتها لتستجيب لالتزامات قضاة النيابة العامة المحددة قانوناً، فضلاً عن تهيئة المستشفيات العمومية لتوفير أمكنة خاصة باستشفاء السجناء وتعبئة الإمكانيات البشرية واللوجستيكية اللازمة لتأمين حراستهم، مع تعزيز المؤسسات الاستشفائية المتخصصة في الطب النفسي والعقلي لضمان إيداع السجناء المحكومين بانعدام المسؤولية الجنائية في آجال معقولة وتفادي بقائهم في السجون.أما على مستوى تنفيذ السياسة الجنائية، فقد كشفت معطيات سنة 2024 عن الحاجة الملحة إلى الإسراع باعتماد مشروع القانون الجنائي في صياغة جديدة تستجيب للمستجدات الاجتماعية والاقتصادية، وتتجاوز الصعوبات التي أبانت عنها الممارسة القضائية في ظل النص الحالي. كما يظل من الضروري اعتماد النصوص القانونية الكفيلة بتيسير تبليغ أطراف الدعوى العمومية بطريقة إلكترونية، مع إبراز الإجراءات العملية والآثار المترتبة عنها، والتعجيل بإصدار النصوص المؤطرة لإصلاح المهن القانونية والقضائية وتوحيد مساطرها التأديبية. ويُضاف إلى ذلك اعتماد نظام الأبوستيل الإلكتروني عن بعد بما يتيح تصديق الوثائق العمومية عبر منصة رقمية مؤمنة، وتطوير النصوص المنظمة لمراكز حماية الطفولة بما يضمن بنيات استقبال وإيواء ملائمة، وتوفير الإطار التنظيمي اللازم لتمكين النيابات العامة من تفعيل مقتضيات الفصل الثامن من ظهير 21 ماي 1974 بشأن إيداع المدمنين على المخدرات في مؤسسات العلاج. كما تبرز الحاجة إلى إحداث بنيات مؤسساتية لتنفيذ تدابير الحماية المقررة لفائدة ضحايا الاتجار بالبشر والنساء والأطفال ضحايا الجرائم، وإلى وضع إطار قانوني واضح للتعامل بالعملات المشفرة يحدد الممارسات غير المشروعة وطرق الحجز والمصادرة. وتؤكد الحصيلة كذلك على ضرورة الرفع من عدد الأطباء المتخصصين في الطب الشرعي بما يكفل التوزيع المتكافئ لتغطية الخصاص القائم، وكذا تعديل الإطار القانوني لتوسيع دائرة المستفيدين من الحق في التغذية ليشمل المقدمين أمام النيابات العامة في حالة انتظار الاستدعاء أو الإحالة الفورية على الجلسة وهم في حالة اعتقال.حضرات السيدات والسادة الأفاضلتلكم كانت بعض الخطوط الرئيسية والملامح العامة التي ميزت عمل النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة خلال سنة 2024. وإن رئاسة النيابة العامة، وهي ترفع إلى أنظاركم تفصيلات لحصيلة الإنجاز في تقريرها السنوي الثامن، فإنها تغتنم هذه المناسبة لتجدد التزامها الراسخ بالدفاع عن الحق العام، وصون النظام العام، والتمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتآها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده نهجاً لبناء دولة الحق والقانون القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفراداً وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات. كما تؤكد عزمها المتجدد على مواصلة الارتقاء بأداء النيابات العامة، وتعزيز انخراطها الكامل في أوراش إصلاح العدالة، بما يجعلها أداة فاعلة لحماية الحقوق والحريات وترسيخ الثقة في القضاء.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالوكيل العام للملك لدى محكمة النقضرئيس النيابة العامة هشام بلاوي
الخبر الجماعي الخبر الجماعي …أخبار خريبكة … الخبر اليقين