كلمة السيد الرئيس في الجلسة الافتتاحية لأشغال الجلسة العاشرة للبرلمان الدولي للتسامح والسلام
الخميس 14 يوليوز 2022،
بمقر مجلس النواب بالرباط
باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
حضرات السيدات والسادة،
يشرفني بدوري أن أرحب بضيوفنا الكرام بمدينة الرباط عاصمة مملكة التعايش والتساكن وأن أتقدم بجزيل الشكر لزميلي السيد رئيس مجلس النواب المحترم على احتضان أشغال الجلسة العاشرة للبرلمان الدولي للتسامح والسلام وعلى إتاحة هذه الفرصة لتقاسم الأفكار وإغناء الحوار حول قضايا ذات راهنية قصوى في سياق تنامي ظواهر متعددة الأوجه والمسببات المغذية للتطرف والكراهية ورفض الآخر وعدم الاستقرار وعدم التسامح.
فنحن بصدد التعاطي مع إشكالية مركبة وبالغة التعقيد يتداخل فيها التربوي والثقافي والاجتماعي والقانوني والسياسي والإعلامي…، الأمر الذي يدفعني إلى التذكير بالتعريف البليغ الذي اقتضته المادة الأولى من “إعلان بشأن مبادئ التسامح” الذي اعتمدته منظمة اليونسكو سنة 1995 ومفاده: “إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا، والتسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب”.
وضمن هذا المنطق، يبدو لي أنه من الأولى أن ينكب مجهودنا البرلماني، في سبيل تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والشعوب التي نمثلها، على إذكاء وعينا الجماعي بغية اقتراح حلول لاحتواء المشاكل القائمة في العديد من مناطق التوتر عبر المعمور وإزالة أسبابه الاقتصادية والتنموية والاجتماعية وما ينجم عنه من تهديد للسلم والأمن. وتبعا لذلك، يجدر أن يتعزز ويتقوى هذا المحفل البرلماني الدولي ليتحول إلى منصة للترافع من أجل مجتمعات متسامحة وفي الآن ذاته إلى قوة اقتراحية لمواصلة التفكير في أنجع السبل لتطويق الدعوات الرامية إلى الكراهية والتطرف العنيف والتعصب وتقويض الحق في الاختلاف.
وتبعا لذلك فإننا نتطلع في مجلسي البرلمان المغربي إلى بدل الجهد والمزيد من العطاء والعمل عبر إجابات تشريعية وسياسات عمومية فعالة، على الإدماج الاجتماعي للفئات الهشة الأكثر عرضة للتهميش والأكثر عرضة لمخاطر الانزلاق نحو التعصب والتطرف الديني، ولا شك أن سياسات التشغيل وتطوير عرض التعليم والتكوين وسياسات العدالة الاجتماعية بشكل عام ومكافحة خطاب الكراهية والعنصرية والغلو هي مداخل أساسية للقضاء على الأسباب البنيوية الكامنة وراء عدم التسامح.
حضرات السيدات والسادة،
لا يخفى على علمكم أن لجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت قرارا بتاريخ 12 فبراير 2016” ترحب فيه بمبادرة الأمين العام، وتحيط علماً بخطة العمل التي قدّمها لمنع التطرف العنيف“. ودعا فيها إلى إتباع نهج شامل لا يتضمن فحسب اتخاذ تدابير أمنية أساسية لمكافحة الإرهاب، بل واتخاذ خطوات وقائية منهجية لمعالجة الظروف الكامنة التي تدفع الأفراد إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة. ويهمنا اليوم، التوقف عند إحدى التوصيات الوجيهة ذات الصلة حيث، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على أنه “ينبغي أن توطِّد الخطط الوطنية الميثاق الاجتماعي ضد التطرف العنيف بتعزيز احترام مبدأ المساواة أمام القانون والمساواة في التمتع بحماية القانون في جميع العلاقات بين الحكومة والمواطن، وبتطوير مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، وكفالة صنع القرار على نحو مستجيب للاحتياجات وشامل للجميع وتشاركي وتمثيلي. وأشجع البرلمانيين على توفير الأساس التشريعي الوطني لخطط العمل الوطنية الرامية إلى منع التطرف العنيف بما يتسق والتزاماتهم الوطنية والدولية، عند الاقتضاء”.
وفي سياق متصل، اسمحوا لي، أن أتوقف معكم أيضا، على أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي أرسى رؤية وفلسفة المملكة المغربية بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف ومسؤولية المنتظم الدولي، سبق وأن أكد جلالته في الخطاب السامي الذي وجهه للدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 شتنبر 2016، على “أن العالم اليوم في مفترق الطرق. فإما أن يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية، لتحقيق تقدمها، وضمان الأمن والاستقرار، بمناطقها، وإما أننا سنتحمل جميعا، عواقب تزايد نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، التي يغذيها الشعور بالظلم والإقصاء، والتي لن يسلم منها أي مكان في العالم، وإني لواثق بأن تنامي الوعي من طرف المجتمع الدولي بالتهديدات العابرة للحدود، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة إلى الإيمان بالمصير المشترك للشعوب سيكون له تأثير كبير في إيقاظ الضمير العالمي من أجل عالم أكثر أمنا وإنصافا وإنسانية”. (انتهى كلام صاحب الجلالة)
وتأسيسا على ذلك ، ومن باب تقاسم التجارب، لا يسعني سوى التنويه إلى أن بلدنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة – والذي بالمناسبة سبق وأن تم تتويجه من قبل التحالف العالمي من أجل الأمل الاثنين 18 شتنبر 2017 بنيويورك، عبر منح جلالته جائزة الاعتراف الخاص بالريادة في النهوض بقيم التسامح والتقارب بين الثقافات، اعترافا بالجهود التي يبذلها المغرب في إشاعة قيم التسامح والانفتاح على الآخر.- قلت، أن بلدنا بصدد بناء نموذج وطني قائم الذات بشأن التسامح والتعايش والانفتاح وفق إستراتيجية شمولية مندمجة ومتعاضدة الأطراف استباقية ومرتكزة على احترام حقوق الإنسان؛ ينضاف إلى ذلك استنادها على سياسة تربوية منفتحة وعلى إعادة هيكلة الحقل الديني التي يشرف عليها جلالة الملك شخصيا بصفته أميرا للمؤمنين، وتكريس الطابع المركزي لقيم الإسلام السمح، فضلا عن مراجعة مناهج التربية الدينية، وهي كلها مساعي، يمكن في حالة قراءتها كجزء من إستراتيجية مندمجة، أن تعتبر عناصر مقاربة مغربية خاصة في مجال سياسات التسامح التي تنهجها المملكة والرامية إلى تقوية قيم الإيثار والوسطية، كرد على التعصب والأفكار المتطرفة، عبر تعزيز الاحترام المتبادل والانفتاح على الآخر والتنشئة على التسامح وتعزيز التربية على ثقافة السلام.
تلكم أيها السادة والسيدات، بعض الافكار التي وددت تقاسمها معكم، ولي اليقين بأن المداخلات التالية والتفاعل من قبل الوفود الحاضرة، ستغني أكثر فعاليات هذه الجلسة.
وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.