عبد الإله الوزاني التهامي
من الصعب استساغة حقيقة مفادها أن أغلب القرارات الخطيرة وأغلب التعيينات والتموقعات في أجهزة بعض الدول الحساسة، لا تتم إلا في الدهاليز الخفية على يد مكونات لوبيات الضغط، المتربعين على عروش المال والأعمال والسلطة والنفوذ. لكنها الحقيقة التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، سوى ما ينبعث منها عند ترجمتها من أوصاف دالة على قوة فعل الفاعلين. سعيا منها لسحب وثائق غير متاحة قانونا أو إيداع أخرى بشكل غير قانوني في ملف مشبوه، أو سعيا منها لاستصدار قرارات حاسمة أو الحصول على صفقات عمومية أو “خاصة” أو التدخل لصالح جهة معينة لقضاء مآرب من الحجم الكبير أو المتوسط، تلجأ جماعات الضغط -اللوبيات- إلى نسج علاقات متشعبة في جميع دواليب الدولة وأجهزتها، -في أغلب الدول- بدءا باستدراج وزراء ونواب ومستشارين وكتاب عامين ومدراء ديوان ورؤساء شركات “رسمية” وحرة، و من ثم تعمل وفق أجندتها على بسط طروحاتها، وتنفيذ أجندتها، ويتم ذلك في دهاليز صالونات الفنادق الفخمة أو المقاهي الفارهة أو الفيلات الخاصة في الغالب، و تختلف عمليات وتأثير اللوبي قصد بلوغ مراميه فيما يخص تباين و اختلاف أنظمة الحكم، لكن المرجح أن كوادر اللوبي تراهن على دراسة نمط الحكم المتبع في الدولة، لتكون حصيلة عملها منسجمة بنجاح. و في كثير من الحالات التي انكشفت فيها مخططات لوبيات الضغط في علاقاتها مع المسؤولين الكبار المحليين والجهويين والمركزيين، المتنفذين في الدولة أفقيا وعموديا، تبين أن ذلك لم يتم إلا بمقابل ضخم من الأموال أو بتقاسم الكعكة عند الحصاد، أو يتقديم “رهن” على شاكلة عقار أو غيره من الأمور الثمينة جدا، أو وعود بالحصول على “مناصب” حساسة أو “أسهم” في شركات، و بذلك يسقط معالي الوزير أو النائب البرلماني أو الوالي في فخ “اللوبي” الذي استدرجه إلى المستنقع مزدوج المردودية والمنفعة. فيصير المسؤول المستدج آلة طيعة تسخر متى اقتضت الحاجة.وهناك حالات تتم فيها عمليات الضغط على المسؤولين بواسطة الإعلام أو بواسطة الجمعيات أو بواسطة الأعيان و“القبائل” أيضا حسب بعض الأقطار، تكون أكثر نجاعة وخطورة، علما أن هذا الأسلوب من الضغط يتطلب جهودا مضنية، تنظيميا وتعبويا وتحريضيا، ضد أو لصالح الجهة المستهدفة، سواء بواسطة الاعتصامات أو التظاهرات أو المسيرات أو الوقفات الاحتجاجية أو سلاح المقاطعة، بغرض استدراجها إلى الرضوخ لرغبات وإملاءات ومطالب الجهة الضاغطة المشكلة من اللوبي المخطط.فتبقى جبهات المواجهة مفتوحة على مصراعيها، يختبر فيها حجم قوة كل طرف على حدة، وأثناء ذلك تتم عمليات التفاوض العلنية أو السرية، تتمخض عنها قرارات “مع” أو “ضد” الجهة الضاغطة، حسب ميزان القوى المرجح لكفة المتغلب.إن سلاح الضغط بالأساليب المذكورة يحسم المفاوضات والمواجهات والمباريات، عوض حسمها بأساليب التنافس الشريف والتدافع السلمي والخيار الديمقراطي.