عبداللطيف قيلش/ ناقد أدبي وباحث في العلوم السياسية
العودة لانتفاضة 20يونيو1981 ومساءلة تعاطي السلطة مع الأحداث وتجربة المصالحة في روايته الأخيرة “مربع الغرباء -1981-” الصادرة عن الفنك ماي 202
يستعيد الكاتب والسفير السابق والمعتقل السياسي السابق صاحب رواية ” كان وأخواتها” عبدالقادر الشاوي ،انتفاضة 20 يونيو1981 بالدار البيضاء ، على إثر الإضراب العام الذي دعت إليه المركزية النقابية “الكونفدرالية الديموقراطية للشغل”، احتجاجا على الزيادة في الأسعار ، وتجربة الإنصاف والمصالحة التي تمت بغاية طي الماضي.
يعيد الكاتب قراءة الأحداث الأليمة ، والكشف عن الحفرة التي تم رمي الجثامين فيها، عبر356 صفحة ، وأربع شخصيات :-داوود غير منتمي “لأي يسار جديده أو قديمه أبدا ، ولم يكن في غالب ما أبداه من مواقف إلا من المتعاطفين الموجودين بالقوة، وهم يقولون بالفعل، في الجماعة التي ظلت تطارد أحلامها المتعبة الرائعة في انعزال تنظيمي عن جميع القوى التي كانت تعمل في سبيل التغيير أو الإصلاح”(ص 17).- محسن الرياحي العائد من المنفى الذي قاده إلى العزلة واليأس، والمرتبط بالتنظيم الذي “ملكه ب”الديموقراطية المركزية” حتى تيبست عظامه من عنفها وشاخ عقله في متونها”(ص 27).
وحين ارتباطه المتأخر بالمرأة(راضيا)،تسلل إليه مرض السرطان الذي أنهكه حتى الموت. -ابراهيم الكندي الثائر الذي التحق بالعمل السياسي مبكرا، وانتقل من السرية إلى العمل الشرعي بعد أن أمضى فترة في السجن ” بعد الخروج سارع مع رفاقه إلى طلب “الشرعية” لعمل المنظمة التي كانوا يقودونها في ظروف صعبة إلى مؤلمة بسبب الحصار المضروب على الفكر الماركسي وعلى جميع المحاولات..”(ص 37). – مارية الصحافية بجريدة “الشعب”، النسوانية والمدافعة عن المساواة، والتي ستلعب دورا مهما في الكشف عن الحفرة/المقبرة الجماعية العشوائية عن طريق أحد الشهود “الذي غالبا ما كان ينفجر باكيا لأن لا أحد كان يصدق أقواله ،أو يثني على قوة ذاكرته ،أو يرى فيما رآه هو تلك الحقيقة بعينها…حيث كانت الجثث مطمورة تحت المتلاشيات. الشاهد الوحيد الذي لا يكذب نفسه ولا يشتبه في رؤاه.”(ص 41).
تتمحور الرواية حول تيمة تجربة الإنصاف والمصالحة انطلاقا من مسار المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، والكشف عن ضحايا أحداث 20 يونيو1981 الذين سماهم وزير الداخلية الأسبق ب”شهداء الكوميرا”، وهو من أعطى التعليمات للدفن الجماعي العشوائي بحفرة “قيل يومها إنه نزل من مروحية جاءت به من الرباط ، على عجل، وقال جهارا ، فيمن تحلق حوله من الشامتين: هيا عجلوا بدفن هؤلاء المارقين ، لا أريد أن أرى وجوههم .كان من الواضح وقتها أن الروائح العفنة،التي تفوح من الجثث الملقاة في الشوارع ، لاتطاق ، وأنها ما تركت مرمية، بعد قتلها شر قتلة ،إلا لإشهاد الوزير عليها…وهو الذي يقول عنه المقال “إن اسمه ارتبط بالشطط وبشراسة القمع وتزوير الانتخابات فملأ البلاد بالفساد وظلم العباد” “(ص 209).
تمثل رواية” مربع الغرباء-1981-” قراءة لمرحلة تاريخية في المغرب ، مرحلة سنوات الرصاص، وإعادة قراءة تجربة “الإنصاف والمصالحة”، وشعارات “العدالة الانتقالية”، و”الانتقال الديموقراطي” و”العهد الجديد”.
إنه نص إبداعي بحمولة نقدية للسلطة والنخب وكيفية تدبير ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فحتى الكشف عن المقبرة وإخراج العظام المتبقية تم ب”الوحشية المتجددة. الضحايا في يوم الحفر بالذات عانوا في الواقع من القتل مرتين: لهم ولعظامهم، مرة في 20يونيو تاريخ المجزرة ، وفي هذه، يوم الحفر، تاريخ المصالحة.”(ص 282). فالعظام لم تخضع للقواعد المعمول بها، المتمثلة في إخضاعها لتحاليل الحمض النووي ، ربما ” لأن العظام لايجب أن تفتضح، وإن افتضحت ظهر سبب قتلها ، وإن ظهر سبب قتلها أمكن الوصول إلى قاتلها ، ولو تم الوصول إلى هذا لكان من الواجب على الدولة أن تجعل من الحفر حجة على القتل العمد، فيكون التعويض على هذا ليس بالمصالحة، بل بالمحاكمة.”(ص 279).
تصنف الرواية المنتقدين للتجربة ،إلى ثلاث فرق، فرقة اليساريين المنظمين، المنشغلين ببناء الحزب الثوري، وفرقة التقدميين المعتدلين ” الذين لم يجدوا في المجلس أي موقع لهم”، وفرقة ” المتآمرين على التحول والتطلعات المختلفة” من خلال صمتهم (الصفحات:305-306-307-308).
تعتبر الرواية أن الجميع غرباء ، الأحياء والأموات، وهو التكثيف الذي لخص فيه عبدالقادر الشاوي عنوان الرواية ” الحي منهم يشم رائحة الميت، والميت حقا ماعاد يستأنس بوجود الحي”. غريب كيف يخلدون جميعا في مربع الغرباء. ربما تساءلت عن معنى الخلود ، ولكنني لم أبح لنفسي بأي جواب. الخلود هو النسيان المضاعف بالوجود.. وفيه ما يشبه الجواب المكتوم.”(ص 345).
تكتسي رواية “مربع الغرباء -1981-” أهمية بالغة، ليس لأنها شهادة على ماجرى من تقتيل في 20 يونيو1981،وتفاصيل الكشف عن المقبرة والنقاش حول مسار تجربة “الإنصاف والمصالحة”، بل لأنها تفتح نقاشا متجددا ، بغاية التقييم على ضوء مآلات الحريات، والردة الحقوقية ، والرهانات التي كانت معقودة على هذه التجربة في إحداث التحول الديموقراطي . إن الحراكات التي عرفتها مناطق الريف وجرادة وغيرها، وما ترتب عنها من اعتقالات وأحكام قاسية، دليل على فشل جبر الضرر الجماعي ، ودليل على أن المغرب مازال يشكو من التفاوتات الاجتماعية والمجالية، وأن دائرة الفقر والهشاشة والبطالة… في تنامي ، وأن الزيادات غير المسبوقة في الأسعار تعيد طرح أسئلة سياق 20 يونيو 1981.
سطات في : 2 يوليوز 2023