الأخبار
الرئيسية / الرئيسية / بالرباط: مداخلة فريق التجمع الوطني للأحرار في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024

بالرباط: مداخلة فريق التجمع الوطني للأحرار في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024

السيد الرئيس
السيدات والسادة الوزراء
السيدات والسادة النواب المحترمون
يسعدني أن أتقدم أمامكم بمداخلة فريق التجمع الوطني للأحرار في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024.
وأود بداية أن أنوه بالخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، التي عبر فيها جلالة الملك نصره الله عن مضامين المرحلة الجديدة في تدبير ملف الوحدة الترابية، والتي تتميز بالانتقال من الاستمرار في الترافع حول الحل النهائي المتمثل في مخطط الحكم الذاتي إلى بسط استراتيجية الاندماج الجيوسياسي والاقتصادي لبلادنا ضمن الفضاء الأفرو-أطلسي، وهو الاندماج الذي ستلعب فيه أقاليمنا الجنوبية دور المركز والمحرك الرئيس، في أفق بناء منطقة رخاء وازدهار أطلسية بمنطق الاستفادة المشتركة ل 23 دولة متجاورة. هذا في الوقت الذي يتمسك فيه الخصوم بنفس المقولات الجامدة والمتجاوزة. كما أننا نعتبر الخطاب الملكي السامي دعوة إلى قادة العالم بالاشتغال على تحويل فضاءات التوتر والنزاعات والحروب إلى فضاءات جيوسياسية مستقرة وآمنة، تستوعب التعايش والتكامل والتسامح.
مناسبة كذلك لأنوه بالمستوى العام للمناقشات من طرف النائبات والنواب المحترمين، أغلبية ومعارضة، وكذا التفاعل الإيجابي والمسؤول للحكومة مع الاستفسارات ومقترحات التعديل، التي كشفت مرة أخرى حجم نضج علاقة التعاون بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية.
حضرات السيدات والسادة،
لا شك في أن هذا النضج الذي تحدثت عنه يتماشى مع البعد الاستثنائي للحظة الوطنية، والتي لن أبالغ إن اعتبرتها واحدة من اللحظات الفارقة والعميقة في تاريخنا المعاصر، بما تحمله من تكثيف لمجهود وطني تحديثي هائل لطالما تطلع إليه المغاربة، بثقة أحيانا وباستبعاد وعدم تصديق أحيانا أخرى.
غير أن الإرادة القوية لصاحب الجلالة حفظه الله، والالتزام الصارم للحكومة بتفعيل توجيهاته السامية، وتنزيل برنامجها الانتخابي التعاقدي مع المواطنين بكل شفافية وصدقية، جعل حياتنا السياسية تنهل اليوم من قاموس سياسي جديد، من ضمن مفاهيمه الكبرى «الدولة الاجتماعية»، والرعاية والحماية والإنصاف.
إننا اليوم في أجواء الاحتفال بمرور ما يقارب سبعة عقود على استقلال بلادنا من نير الاستعمار، وهي مسافة زمنية تحققت فيها العديد من المكاسب لصالح مشروع بناء الدولة الحديثة، بوحدتها الترابية، بديمقراطيتها، باستقرارها، باندماجها الدولي القريب والبعيد وبتقدمها السوسيو-اقتصادي المشهود.
غير أن كل هذا يقابله إجماع على تقدير حجم الاستجابة لمتطلبات البعد الاجتماعي في حياة المغاربة. فرغم الحضور المتتالي للإجراءات الاجتماعية لدى مختلف الحكومات المتعاقبة، لم تجتمع الشروط قبل اليوم للحديث بثقة عن عدالة اجتماعية حقيقية، وعن دولة اجتماعية بأسس واضحة وإجراءات مرقمة، ومستفيدين لا يخضعون لقاعدة الانتماء لفئة المحظوظين، بل إن المحظوظين اليوم هم كافة المغاربة بدون استثناء.
إن ما نعيشه اليوم على هذا المستوى بالذات، ليس مجرد انتقال من وضع اجتماعي مشوب بالحيف إلى وضع آخر ينشد ويبتغي إعادة ترتيب مقتضيات قانونية أو مادية أو إيديولوجية. إنه أكبر من ذلك وأعمق، يتعلق الأمر بتحول يمس بنيات وهياكل المجتمع ككل، ويحدد مسافة الفوارق بين الفئات الاجتماعية عموما، وتحديدا المسافة بين الفئات الفقيرة والميسورة وحجم استفادة كل منها من المقدرات الوطنية، ويضع في صلب هذا التحول الأسرة المغربية كمحور أساس والقاعدة الرئيسية في بناء المجتمع العصري، يحافظ من جهة على القيم النبيلة للمجتمع المغربي من تضامن وتلاحم وتآزر ويوفر شروط الكرامة وجودة الحياة. إننا نعتبر ما تقدمت به الحكومة في مشروع قانون المالية، بالإضافة الى المنظومة الصحية، هو تحول مجتمعي وليس تحولا اجتماعيا. ومن المؤكد أن بعد سنوات من الآن، سيتبين لنا حجم هذا التغير المجتمعي.
حضرات السيدات والسادة،
قد يعتقد المستمع إلى هذه الكلمات أننا في حزب التجمع الوطني للأحرار نبني استشرافنا لهذه التحولات المجتمعية فقط على الدعم المالي الموجه للأسر، وهذا أمر مجانب للصواب تماما، فرغم الأهمية القصوى لجانب الدعم المالي المباشر، هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، بل تفوقها، وعلى رأسها عدد من الإصلاحات ذات التأثير البنيوي، وفي مقدمتها الحقوق والحريات التي خرجت من رحم الانتقال الديمقراطي بإرادة ورعاية ملكية سامية وتعززت وترسخت في دستور 2011. كان من اللازم أولا أن نحدد الإطار الدستوري والقيمي والقانوني لهذا التحول المجتمعي، لتتمكن هذه الحكومة في الانكباب بكل مسؤولية وجرأة على إصلاح منظومة التعليم والصحة والتشغيل والسكن وتدبير المجال… وسأعود لبعضها بشيء من التفصيل.
ولعل من المفارقات الكبرى، وفي السياسة دائما ما توجد مفارقات، أن الإنجازات الاجتماعية لهذه الحكومة تعتبر قياسية على المستوى الكمي ونوعية على المستوى الكيفي بالنظر لعمرها الذي لم بتجاوز سنتين.
ومع ذلك فإن الصورة التي يفترض أن تلتصق بالأذهان أكثر من غيرها هي عكس ذلك تماما، والسبب واضح، فالحكومة خرجت للوجود وأمامها تحدي مخلفات جائحة كورونا على المستويين الوطني والدولي، إضافة لموجة جفاف حاد لم يعد يهدد القطاع الفلاحي بمردوديته الاقتصادية والاجتماعية فحسب بل أضحى يهدد حتى بالعطش في بعض المناطق.
ثم ما هي إلا أسابيع حتى اندلعت حرب أوكرانيا التي تقترب من إكمال عامها الثاني، لتتحول كل هذه العوامل إلى عناوين أزمات متراكبة مست جميع المجالات وخاصة سلاسل الانتاج وسلاسل التوريد وأسعار النقل الدولي للبضائع ما أدى إلى انفجار التضخم على المستوى العالمي وبالتالي استيراده إلى أسواقنا الداخلية، بما يعنيه من ارتفاع للأسعار وتراجع مؤقت للقدرة الشرائية للمواطنين.
إن هذا الثقل الطارئ لم يدفع الحكومة نحو التخلي عن برنامجها والاهتمام بما هو مستجد، بل حافظت على الإصلاحات المبرمجة مع ابتداع الإجراءات المناسبة والمستعجلة لمواجهة المستجدات. من العادي جدا أن تغير الحكومة من أولوياتها في حالة الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. وتعلق شماعة التأخير أو التغيير أو الإلغاء على الأزمة. لكن ما يسجل لهذه الحكومة أنها واجهت أزمة الكوارث الطبيعية من جفاف وزلزال وعطش، وواجهت الأزمة الاقتصادية من تعطل سلاسل الإنتاج وارتفاع الأسعار والتضخم بكل جرأة وابتدعت آليات إضافية دون المساس بالتوازنات الماكرو اقتصادية ودون التخلي عن برنامجها الحكومي، بل أكثر من ذلك فهي منخرطة في إعداد مغرب 2030 مغرب كأس العالم.
ونظرا لوفرة هذه الإجراءات، سأكتفي بذكر فقط ما نعتقد أنه يدخل في بناء الدولة الاجتماعية، منطلقا من حماية القدرة الشرائية للمواطن والتي بلغت 45 مليار درهم سنة 2022، و26 مليار درهم سنة 2023؛

  • برامج استثنائية بقيمة 20 مليار درهم خلال سنتي 2022 و2023 لدعم الأسر ذات الأنشطة الفلاحية ومربي الماشية والرصيد الحيواني والنباتي وتدبير ندرة المياه وتوسيع التأمين الفلاحي، والتخفيف من الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين؛
  • تقديم دعم لمهنيي النقل للحفاظ على استقرار أسعار النقل العمومي وكذا المواد الاستهلاكية الأولية، بميزانية تناهز 6 مليار درهم، خلال سنتي 2022 و2023؛
  • تخصيص 5 ملايير درهم للحفاظ على تسعيرة الكهرباء وحماية القدرة الشرائية للأسر؛
  • تخفيف القيود الجمركية والضريبية ووقف رسوم الاستيراد على مجموعة من الحاجيات الاستهلاكية الأساسية (القمح اللين؛ اللحوم؛ الحليب؛ القطاني؛ الزيوت؛ …)؛
  • تخصيص 105 ملايين درهم لدعم ناشري الكتب المدرسية للحفاظ على القدرة الشرائية للأسر؛
  • توسيع حجم الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة في سنة 2024، لتشمل العديد من المستهلكات الأساسية بشكل سيدعم المعيش اليومي للعائلات المغربية. لا سيما:
  • المنتجات الصيدلية والمواد الأولية والمنتجات الداخلة مجموعها أو بعض عناصرها في تركيبة المنتجات الصيدلية؛
  • اللفائف غير المرجعة للمنتجات الصيدلية؛
  • إعفاء اللوازم المدرسية والمنتجات والمواد المستخدمة في تركيبها؛
  • إعفاء الزبدة المنتجة من أصل حليب حيواني؛
  • تصفية متأخرات الترقية والحوار الاجتماعي ……
    هذه –إذاً- صورة مصغرة للظروف العصيبة التي أمسكت فيها الحكومة بزمام الأمور والجهود المحمودة التي بذلتها من أجل التصدي للأزمة التي أركعت العالم، دون أن تحيد عن برنامجها.
    وكما قلت سابقا فإن من مفاصل الدولة الاجتماعية التي عملت عليها الحكومة كي تجعل منها أحد أسس التحولات المجتمعية، هناك المنظومة التعليمية.
    قد يبدو من خلال صورة عدم الاستقرار التي تعكسها الوضعية الحالية للمدرسة العمومية، أن المبتدأ والمنتهى في إصلاح المنظومة ينحصر فقط في تدبير الحياة المهنية لرجال ونساء التعليم، وهذا أمر يجانب الصواب كليا. فرغم أن الحكومة، وفي ظل الأزمة، بذلت مجهودا استثنائيا لتحسين دخل أسرة التعليم، بلغ 9.5 مليار درهم وهو رقم لا يمكن الاستهانة به في كل الأحوال، فإن أساس الإصلاح لم ينل حظه من التعريف والترويج بفعل ما سبق، خاصة وأن رؤية الإصلاح سعت وتسعى لتمكين المدرسة العمومية من العودة للعب دور المصعد الاجتماعي بفعل الجودة والانفتاح على العصر والجاذبية.
    ومن مظاهر هذه الرؤية يمكن إيراد بعض التفاصيل على النحو التالي:
    • الحرص على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الأسر المغربية في تلقي التعليم الأولي، من خارطة مدرسية متعددة السنوات، للوصول لهدف استفادة أكثر من 90 في المائة من الأطفال خلال سنة 2026، وقد تم لغاية الآن إحداث 4400 قسم جديد خلال الموسم الدراسي السابق، وإحداث 4700 قسم جديد خلال الموسم الحالي (بنسبة ارتفاع 15 في المائة)؛
    • توسيع عرض المدارس الجماعاتية لتيسير ظروف التمدرس لفائدة أبناء الأسر في العالم القروي، حيث تم بلوغ 271 مدرسة جماعاتية، أي بزيادة 119 عن الموسم 2020-2019، مع بلوغ أزيد من 70 ألف تلميذا وتلميذة مستفيد؛
    • تفعيل العمل بمشروع “مؤسسات الريادة” بسلك التعليم الابتدائي العمومي. البداية ب 628 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية في أفق التعميم التدريجي على جميع المؤسسات التعليمية العمومية الابتدائية بمعدل 2000 مؤسسة تعليمية سنويا؛
    • توقيع اتفاقية لتكوين أساتذة‎ ‎التعليم الابتدائي والثانوي في أفق سنة 2025، بميزانية تفوق4 مليار درهم، حيث يهدف البرنامج إلى إرساء هندسة جديدة للتكوين الأساسي على امتداد 5 سنوات؛
    • توسيع تدريس الأمازيغية بالسلك الابتدائي بحوالي 31 في المائة من المدارس خلال الموسم الدراسي الحالي (في أفق تعميمها على جميع المؤسسات في بحلول 2030)؛
    العمل على تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي، (بحيث تم فتح الباب امام 28 في المائة من التلاميذ بالسنة الأولى من التعليم الإعدادي لتعلم الانجليزية في أفق تعميم تدريسها خلال سنة 2026)؛
    إطلاق برنامج جديد يهدف للتدريس وفق المستوى المناسب يسمى اختصارا TARL، وذلك من أجل تجاوز صعوبات التعلم في القراءة والحساب لدى تلاميذ السلك الابتدائي؛
    اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات للرفع من نجاعة وجودة خدمات المؤسسات التربوية الدامجة، من خلال إطلاق البرنامج الوطني “جسر التربية الدامجة” المخصص لتربية وتأهيل الأطفال في وضعية إعاقة، الذي يستفيد منه أزيد من 23000 طفل وطفلة.
    إن هذه الإجراءات والعمليات ليست هدفا في حد ذاتها، فهواجس الحكومة تكمن في استئصال أسباب الهدر المدرسي، والرفع من قدرات التملك لدى التلاميذ، وإعداد أجيال المستقبل المتمكنة من مواجهة تحديات الذكاء التكنولوجي وتنويع فرص الولوج الى سوق العمل والإنتاج وطنيا وقاريا.السيد الرئيس السيدات والسادة الوزراء السيدات والسادة النواب المحترمون يسعدني أن أتقدم أمامكم بمداخلة فريق التجمع الوطني للأحرار في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024. وأود بداية أن أنوه بالخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، التي عبر فيها جلالة الملك نصره الله عن مضامين المرحلة الجديدة في تدبير ملف الوحدة الترابية، والتي تتميز بالانتقال من الاستمرار في الترافع حول الحل النهائي المتمثل في مخطط الحكم الذاتي إلى بسط استراتيجية الاندماج الجيوسياسي والاقتصادي لبلادنا ضمن الفضاء الأفرو-أطلسي، وهو الاندماج الذي ستلعب فيه أقاليمنا الجنوبية دور المركز والمحرك الرئيس، في أفق بناء منطقة رخاء وازدهار أطلسية بمنطق الاستفادة المشتركة ل 23 دولة متجاورة. هذا في الوقت الذي يتمسك فيه الخصوم بنفس المقولات الجامدة والمتجاوزة. كما أننا نعتبر الخطاب الملكي السامي دعوة إلى قادة العالم بالاشتغال على تحويل فضاءات التوتر والنزاعات والحروب إلى فضاءات جيوسياسية مستقرة وآمنة، تستوعب التعايش والتكامل والتسامح. مناسبة كذلك لأنوه بالمستوى العام للمناقشات من طرف النائبات والنواب المحترمين، أغلبية ومعارضة، وكذا التفاعل الإيجابي والمسؤول للحكومة مع الاستفسارات ومقترحات التعديل، التي كشفت مرة أخرى حجم نضج علاقة التعاون بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية. حضرات السيدات والسادة، لا شك في أن هذا النضج الذي تحدثت عنه يتماشى مع البعد الاستثنائي للحظة الوطنية، والتي لن أبالغ إن اعتبرتها واحدة من اللحظات الفارقة والعميقة في تاريخنا المعاصر، بما تحمله من تكثيف لمجهود وطني تحديثي هائل لطالما تطلع إليه المغاربة، بثقة أحيانا وباستبعاد وعدم تصديق أحيانا أخرى. غير أن الإرادة القوية لصاحب الجلالة حفظه الله، والالتزام الصارم للحكومة بتفعيل توجيهاته السامية، وتنزيل برنامجها الانتخابي التعاقدي مع المواطنين بكل شفافية وصدقية، جعل حياتنا السياسية تنهل اليوم من قاموس سياسي جديد، من ضمن مفاهيمه الكبرى «الدولة الاجتماعية»، والرعاية والحماية والإنصاف. إننا اليوم في أجواء الاحتفال بمرور ما يقارب سبعة عقود على استقلال بلادنا من نير الاستعمار، وهي مسافة زمنية تحققت فيها العديد من المكاسب لصالح مشروع بناء الدولة الحديثة، بوحدتها الترابية، بديمقراطيتها، باستقرارها، باندماجها الدولي القريب والبعيد وبتقدمها السوسيو-اقتصادي المشهود. غير أن كل هذا يقابله إجماع على تقدير حجم الاستجابة لمتطلبات البعد الاجتماعي في حياة المغاربة. فرغم الحضور المتتالي للإجراءات الاجتماعية لدى مختلف الحكومات المتعاقبة، لم تجتمع الشروط قبل اليوم للحديث بثقة عن عدالة اجتماعية حقيقية، وعن دولة اجتماعية بأسس واضحة وإجراءات مرقمة، ومستفيدين لا يخضعون لقاعدة الانتماء لفئة المحظوظين، بل إن المحظوظين اليوم هم كافة المغاربة بدون استثناء. إن ما نعيشه اليوم على هذا المستوى بالذات، ليس مجرد انتقال من وضع اجتماعي مشوب بالحيف إلى وضع آخر ينشد ويبتغي إعادة ترتيب مقتضيات قانونية أو مادية أو إيديولوجية. إنه أكبر من ذلك وأعمق، يتعلق الأمر بتحول يمس بنيات وهياكل المجتمع ككل، ويحدد مسافة الفوارق بين الفئات الاجتماعية عموما، وتحديدا المسافة بين الفئات الفقيرة والميسورة وحجم استفادة كل منها من المقدرات الوطنية، ويضع في صلب هذا التحول الأسرة المغربية كمحور أساس والقاعدة الرئيسية في بناء المجتمع العصري، يحافظ من جهة على القيم النبيلة للمجتمع المغربي من تضامن وتلاحم وتآزر ويوفر شروط الكرامة وجودة الحياة. إننا نعتبر ما تقدمت به الحكومة في مشروع قانون المالية، بالإضافة الى المنظومة الصحية، هو تحول مجتمعي وليس تحولا اجتماعيا. ومن المؤكد أن بعد سنوات من الآن، سيتبين لنا حجم هذا التغير المجتمعي. حضرات السيدات والسادة، قد يعتقد المستمع إلى هذه الكلمات أننا في حزب التجمع الوطني للأحرار نبني استشرافنا لهذه التحولات المجتمعية فقط على الدعم المالي الموجه للأسر، وهذا أمر مجانب للصواب تماما، فرغم الأهمية القصوى لجانب الدعم المالي المباشر، هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، بل تفوقها، وعلى رأسها عدد من الإصلاحات ذات التأثير البنيوي، وفي مقدمتها الحقوق والحريات التي خرجت من رحم الانتقال الديمقراطي بإرادة ورعاية ملكية سامية وتعززت وترسخت في دستور 2011. كان من اللازم أولا أن نحدد الإطار الدستوري والقيمي والقانوني لهذا التحول المجتمعي، لتتمكن هذه الحكومة في الانكباب بكل مسؤولية وجرأة على إصلاح منظومة التعليم والصحة والتشغيل والسكن وتدبير المجال… وسأعود لبعضها بشيء من التفصيل. ولعل من المفارقات الكبرى، وفي السياسة دائما ما توجد مفارقات، أن الإنجازات الاجتماعية لهذه الحكومة تعتبر قياسية على المستوى الكمي ونوعية على المستوى الكيفي بالنظر لعمرها الذي لم بتجاوز سنتين. ومع ذلك فإن الصورة التي يفترض أن تلتصق بالأذهان أكثر من غيرها هي عكس ذلك تماما، والسبب واضح، فالحكومة خرجت للوجود وأمامها تحدي مخلفات جائحة كورونا على المستويين الوطني والدولي، إضافة لموجة جفاف حاد لم يعد يهدد القطاع الفلاحي بمردوديته الاقتصادية والاجتماعية فحسب بل أضحى يهدد حتى بالعطش في بعض المناطق. ثم ما هي إلا أسابيع حتى اندلعت حرب أوكرانيا التي تقترب من إكمال عامها الثاني، لتتحول كل هذه العوامل إلى عناوين أزمات متراكبة مست جميع المجالات وخاصة سلاسل الانتاج وسلاسل التوريد وأسعار النقل الدولي للبضائع ما أدى إلى انفجار التضخم على المستوى العالمي وبالتالي استيراده إلى أسواقنا الداخلية، بما يعنيه من ارتفاع للأسعار وتراجع مؤقت للقدرة الشرائية للمواطنين. إن هذا الثقل الطارئ لم يدفع الحكومة نحو التخلي عن برنامجها والاهتمام بما هو مستجد، بل حافظت على الإصلاحات المبرمجة مع ابتداع الإجراءات المناسبة والمستعجلة لمواجهة المستجدات. من العادي جدا أن تغير الحكومة من أولوياتها في حالة الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. وتعلق شماعة التأخير أو التغيير أو الإلغاء على الأزمة. لكن ما يسجل لهذه الحكومة أنها واجهت أزمة الكوارث الطبيعية من جفاف وزلزال وعطش، وواجهت الأزمة الاقتصادية من تعطل سلاسل الإنتاج وارتفاع الأسعار والتضخم بكل جرأة وابتدعت آليات إضافية دون المساس بالتوازنات الماكرو اقتصادية ودون التخلي عن برنامجها الحكومي، بل أكثر من ذلك فهي منخرطة في إعداد مغرب 2030 مغرب كأس العالم. ونظرا لوفرة هذه الإجراءات، سأكتفي بذكر فقط ما نعتقد أنه يدخل في بناء الدولة الاجتماعية، منطلقا من حماية القدرة الشرائية للمواطن والتي بلغت 45 مليار درهم سنة 2022، و26 مليار درهم سنة 2023؛ – برامج استثنائية بقيمة 20 مليار درهم خلال سنتي 2022 و2023 لدعم الأسر ذات الأنشطة الفلاحية ومربي الماشية والرصيد الحيواني والنباتي وتدبير ندرة المياه وتوسيع التأمين الفلاحي، والتخفيف من الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين؛ – تقديم دعم لمهنيي النقل للحفاظ على استقرار أسعار النقل العمومي وكذا المواد الاستهلاكية الأولية، بميزانية تناهز 6 مليار درهم، خلال سنتي 2022 و2023؛ – تخصيص 5 ملايير درهم للحفاظ على تسعيرة الكهرباء وحماية القدرة الشرائية للأسر؛ – تخفيف القيود الجمركية والضريبية ووقف رسوم الاستيراد على مجموعة من الحاجيات الاستهلاكية الأساسية (القمح اللين؛ اللحوم؛ الحليب؛ القطاني؛ الزيوت؛ …)؛ – تخصيص 105 ملايين درهم لدعم ناشري الكتب المدرسية للحفاظ على القدرة الشرائية للأسر؛ – توسيع حجم الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة في سنة 2024، لتشمل العديد من المستهلكات الأساسية بشكل سيدعم المعيش اليومي للعائلات المغربية. لا سيما: – المنتجات الصيدلية والمواد الأولية والمنتجات الداخلة مجموعها أو بعض عناصرها في تركيبة المنتجات الصيدلية؛ – اللفائف غير المرجعة للمنتجات الصيدلية؛ – إعفاء اللوازم المدرسية والمنتجات والمواد المستخدمة في تركيبها؛ – إعفاء الزبدة المنتجة من أصل حليب حيواني؛ – تصفية متأخرات الترقية والحوار الاجتماعي …… هذه –إذاً- صورة مصغرة للظروف العصيبة التي أمسكت فيها الحكومة بزمام الأمور والجهود المحمودة التي بذلتها من أجل التصدي للأزمة التي أركعت العالم، دون أن تحيد عن برنامجها. وكما قلت سابقا فإن من مفاصل الدولة الاجتماعية التي عملت عليها الحكومة كي تجعل منها أحد أسس التحولات المجتمعية، هناك المنظومة التعليمية. قد يبدو من خلال صورة عدم الاستقرار التي تعكسها الوضعية الحالية للمدرسة العمومية، أن المبتدأ والمنتهى في إصلاح المنظومة ينحصر فقط في تدبير الحياة المهنية لرجال ونساء التعليم، وهذا أمر يجانب الصواب كليا. فرغم أن الحكومة، وفي ظل الأزمة، بذلت مجهودا استثنائيا لتحسين دخل أسرة التعليم، بلغ 9.5 مليار درهم وهو رقم لا يمكن الاستهانة به في كل الأحوال، فإن أساس الإصلاح لم ينل حظه من التعريف والترويج بفعل ما سبق، خاصة وأن رؤية الإصلاح سعت وتسعى لتمكين المدرسة العمومية من العودة للعب دور المصعد الاجتماعي بفعل الجودة والانفتاح على العصر والجاذبية. ومن مظاهر هذه الرؤية يمكن إيراد بعض التفاصيل على النحو التالي: • الحرص على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الأسر المغربية في تلقي التعليم الأولي، من خارطة مدرسية متعددة السنوات، للوصول لهدف استفادة أكثر من 90 في المائة من الأطفال خلال سنة 2026، وقد تم لغاية الآن إحداث 4400 قسم جديد خلال الموسم الدراسي السابق، وإحداث 4700 قسم جديد خلال الموسم الحالي (بنسبة ارتفاع 15 في المائة)؛ • توسيع عرض المدارس الجماعاتية لتيسير ظروف التمدرس لفائدة أبناء الأسر في العالم القروي، حيث تم بلوغ 271 مدرسة جماعاتية، أي بزيادة 119 عن الموسم 2020-2019، مع بلوغ أزيد من 70 ألف تلميذا وتلميذة مستفيد؛ • تفعيل العمل بمشروع “مؤسسات الريادة” بسلك التعليم الابتدائي العمومي. البداية ب 628 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية في أفق التعميم التدريجي على جميع المؤسسات التعليمية العمومية الابتدائية بمعدل 2000 مؤسسة تعليمية سنويا؛ • توقيع اتفاقية لتكوين أساتذة‎ ‎التعليم الابتدائي والثانوي في أفق سنة 2025، بميزانية تفوق4 مليار درهم، حيث يهدف البرنامج إلى إرساء هندسة جديدة للتكوين الأساسي على امتداد 5 سنوات؛ • توسيع تدريس الأمازيغية بالسلك الابتدائي بحوالي 31 في المائة من المدارس خلال الموسم الدراسي الحالي (في أفق تعميمها على جميع المؤسسات في بحلول 2030)؛ • العمل على تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي، (بحيث تم فتح الباب امام 28 في المائة من التلاميذ بالسنة الأولى من التعليم الإعدادي لتعلم الانجليزية في أفق تعميم تدريسها خلال سنة 2026)؛ • إطلاق برنامج جديد يهدف للتدريس وفق المستوى المناسب يسمى اختصارا TARL، وذلك من أجل تجاوز صعوبات التعلم في القراءة والحساب لدى تلاميذ السلك الابتدائي؛ • اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات للرفع من نجاعة وجودة خدمات المؤسسات التربوية الدامجة، من خلال إطلاق البرنامج الوطني “جسر التربية الدامجة” المخصص لتربية وتأهيل الأطفال في وضعية إعاقة، الذي يستفيد منه أزيد من 23000 طفل وطفلة. إن هذه الإجراءات والعمليات ليست هدفا في حد ذاتها، فهواجس الحكومة تكمن في استئصال أسباب الهدر المدرسي، والرفع من قدرات التملك لدى التلاميذ، وإعداد أجيال المستقبل المتمكنة من مواجهة تحديات الذكاء التكنولوجي وتنويع فرص الولوج الى سوق العمل والإنتاج وطنيا وقاريا. كما لا يجب أن ننسى الدور الطلائعي الذي لعبته المدرسة العمومية، والأجيال المتلاحقة من رجال ونساء التعليم على مدار عقود من الزمن؛ حيث كانت المدرسة العمومية هي أمل الأسر، الميسورة والفقيرة على حد سواء، في تكوين وتنشئة اليافعين اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. هذا البريق الذي بدأ يخفت وأصبح من المستعجل معالجة كل أسباب خفوته. فكان من الطبيعي أن تكون البداية بالاهتمام بالعنصر البشري، كان أستاذا أو تلميذا. فالأستاذ الذي يعشق مهنته سيدفع التلميذ الى عشق مدرسته ودروسه وزملائه. وأصبح من اللازم كذلك أن ترقى مهنة التعليم إلى درجة الشغف؛ وألا تكون المدرسة فضاءا للتخلص من شغب الأطفال في المنزل. نريد أن يعشق الأستاذ مهنته وأن يعشق التلميذ مدرسته. لهذا، حضرات السيدات والسادة، قامت الحكومة أولا بإصلاح مسار الولوج إلى مهنة التدريس عبر فتحه أمام الحاصلين على الإجازة في علوم التربية، ثم ثانيا باعتماد نظام أساسي جديد لرجال التعليم يوفر لهم الإمكانيات اللازمة لمواجهة ضرورات الحياة في حدود الإمكانيات الوطنية المتوفرة حاليا؛ ودفعهم إلى التفرغ الكلي لمهنتهم النبيلة والتي نقدرها عاليا. السيدات والسادة الوزراء المحترمون، السيدات والسادة النواب المحترمون، ليست الغاية من هذا العرض سرد كافة المعطيات والإجراءات، الماضية والحاضرة، الموجودة في الوثائق المقدمة لنا، وإنما تتمثل الغاية في محاولة التدليل على وجود تصور سياسي برنامجي مؤطر ومهيكل للعمل الحكومي الرامي إلى تحقيق نقلة نحو دولة اجتماعية تؤسس لتحول مجتمعي يعيد توزيع الدعم العمومي ليستفيد منه مستحقوه الفعليون. في هذا الصدد نتذكر جيدا كيف كنا نردد جميعا على مر عقود أن صندوق المقاصة يستفيد منه الأغنياء أكثر من غيرهم. وحتى حين عملت حكومة سابقة على تحرير أسعار المحروقات مستفيدة من لحظة انهيار الأسعار، فإنها لم تفكر في آلية احترازية ما جعل الخلل يبدو جليا مع أول تقلبات للسوق من جهة. إن إيراد هذا النموذج ليس دعوة للحفاظ على مقاصة يستفيد منها الأغنياء، بل تأكيد على أن الإصلاح الذي تقترحه الحكومة اليوم هو إصلاح متعدد الأبعاد يصب في استفادة المستحقين دون غيرهم. فقد عبرنا عن مساندتنا لهذا التحرير، وكنا نأمل أن تفتح الحكومة هذا الورش الاجتماعي وتخصص له كل الاعتمادات المتأتية من التحرير. لكن صعوبة استيعاب هذا التصور أجَّلَ الإصلاح إلى هذا الوقت. وبهذه المناسبة لا بد أن نؤكد صواب اختياراتنا مرة أخرى بتوضيح الفرق بين الإلغاء والإصلاح. فالإلغاء ينحصر في حذف دعم المحروقات كإجراء بسيط في متناول الجميع. لكن الإصلاح هو تصور يعتمد على مقاربة معقدة تتناول الموضوع من كل جوانبه؛ ويرتكز على نقل الدعم للأشياء إلى الدعم للإنسان. هكذا، فحين نتحدث عن زيادة 10 دراهم سنويا لمدة 3 سنوات في ثمن قنينة الغاز، فإن الفقراء سيكونون محميين من هذه الزيادة بفعل الدعم المباشر الشهري الذي سينطلق من 500 درهم في أدنى الحالات هذا فيما سيؤدي الميسورون هذه الزيادة دون تعويض من الدولة. إضافة لذلك فالمواطن البسيط سيكون محميا من تقلبات السوق بحكم أن الزيادة الإجمالية التي سيؤديها ستقف عند حدود 30 درهما مهما بلغت أسعار السوق العالمي، وهذا هو الدور الإيجابي للتسقيف، والدور الإيجابي للدعم الاجتماعي المباشر. وبنفس بعد العدالة الاجتماعية في إصلاح المقاصة، يمكن الحديث عن الزيادات المقترحة في الضريبة على القيمة المضافة. فرغم أن هذه الزيادات قد تم إقرارها في القانون الإطار الصادر سنة 2019، وبالتالي فالحكومة لا تعمل اليوم سوى على تنفيذ مقتضى قانوني، فإن تدبير ذلك يخضع لنفس المنظور الاجتماعي المستمد من مشروع الدولة الاجتماعية. هكذا فإن زيادات هذه الضريبة على الماء والكهرباء تكاد لا تحدث تغييرا على الغالبية العظمى من المستهلكين إذ تتراوح الزيادة بين بضعة سنتيمات إلى بضعة دراهم لا أثر لها مع وجود الدعم المالي الاجتماعي، فيما ستمس الزيادة المستهلكين الكبار في وضع ما أحوج البلاد إلى الاقتصاد في استهلاك الماء والكههرباء. هذا علما أن عائدات الزيادات على قلتها ستساهم، ولو جزئيا، في تغطية تكاليف إعفاء عدد من المواد من الضريبة على القيمة المضافة. حضرات السيدات والسادة إن ما نسعى إلى إبرازه هنا هو العمل الجاد وغير المسبوق على إعادة النظر في خريطة الاستفادة من المقدرات العمومية بما يصحح الاختلال التاريخي المتمثل في استفادة الميسورين أكثر من غيرهم من الدعم العمومي. ويعتبر هذا نوعا من إعادة توزيع الثروة مع العمل الجاد على ضمان استفادة كافة الشرائح الاجتماعية من نفس الخدمات وهو ما يجسده انطلاق إصلاح المنظومتين الصحية والتعليمية. لكل هذه الأسباب ننوه بمشوع قانون المالية ونصوت لصالحه.

    كما لا يجب أن ننسى الدور الطلائعي الذي لعبته المدرسة العمومية، والأجيال المتلاحقة من رجال ونساء التعليم على مدار عقود من الزمن؛ حيث كانت المدرسة العمومية هي أمل الأسر، الميسورة والفقيرة على حد سواء، في تكوين وتنشئة اليافعين اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. هذا البريق الذي بدأ يخفت وأصبح من المستعجل معالجة كل أسباب خفوته. فكان من الطبيعي أن تكون البداية بالاهتمام بالعنصر البشري، كان أستاذا أو تلميذا. فالأستاذ الذي يعشق مهنته سيدفع التلميذ الى عشق مدرسته ودروسه وزملائه. وأصبح من اللازم كذلك أن ترقى مهنة التعليم إلى درجة الشغف؛ وألا تكون المدرسة فضاءا للتخلص من شغب الأطفال في المنزل. نريد أن يعشق الأستاذ مهنته وأن يعشق التلميذ مدرسته.
    لهذا، حضرات السيدات والسادة، قامت الحكومة أولا بإصلاح مسار الولوج إلى مهنة التدريس عبر فتحه أمام الحاصلين على الإجازة في علوم التربية، ثم ثانيا باعتماد نظام أساسي جديد لرجال التعليم يوفر لهم الإمكانيات اللازمة لمواجهة ضرورات الحياة في حدود الإمكانيات الوطنية المتوفرة حاليا؛ ودفعهم إلى التفرغ الكلي لمهنتهم النبيلة والتي نقدرها عاليا.

السيدات والسادة الوزراء المحترمون،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
ليست الغاية من هذا العرض سرد كافة المعطيات والإجراءات، الماضية والحاضرة، الموجودة في الوثائق المقدمة لنا، وإنما تتمثل الغاية في محاولة التدليل على وجود تصور سياسي برنامجي مؤطر ومهيكل للعمل الحكومي الرامي إلى تحقيق نقلة نحو دولة اجتماعية تؤسس لتحول مجتمعي يعيد توزيع الدعم العمومي ليستفيد منه مستحقوه الفعليون.
في هذا الصدد نتذكر جيدا كيف كنا نردد جميعا على مر عقود أن صندوق المقاصة يستفيد منه الأغنياء أكثر من غيرهم.
وحتى حين عملت حكومة سابقة على تحرير أسعار المحروقات مستفيدة من لحظة انهيار الأسعار، فإنها لم تفكر في آلية احترازية ما جعل الخلل يبدو جليا مع أول تقلبات للسوق من جهة.
إن إيراد هذا النموذج ليس دعوة للحفاظ على مقاصة يستفيد منها الأغنياء، بل تأكيد على أن الإصلاح الذي تقترحه الحكومة اليوم هو إصلاح متعدد الأبعاد يصب في استفادة المستحقين دون غيرهم.
فقد عبرنا عن مساندتنا لهذا التحرير، وكنا نأمل أن تفتح الحكومة هذا الورش الاجتماعي وتخصص له كل الاعتمادات المتأتية من التحرير. لكن صعوبة استيعاب هذا التصور أجَّلَ الإصلاح إلى هذا الوقت. وبهذه المناسبة لا بد أن نؤكد صواب اختياراتنا مرة أخرى بتوضيح الفرق بين الإلغاء والإصلاح. فالإلغاء ينحصر في حذف دعم المحروقات كإجراء بسيط في متناول الجميع. لكن الإصلاح هو تصور يعتمد على مقاربة معقدة تتناول الموضوع من كل جوانبه؛ ويرتكز على نقل الدعم للأشياء إلى الدعم للإنسان.
هكذا، فحين نتحدث عن زيادة 10 دراهم سنويا لمدة 3 سنوات في ثمن قنينة الغاز، فإن الفقراء سيكونون محميين من هذه الزيادة بفعل الدعم المباشر الشهري الذي سينطلق من 500 درهم في أدنى الحالات هذا فيما سيؤدي الميسورون هذه الزيادة دون تعويض من الدولة.
إضافة لذلك فالمواطن البسيط سيكون محميا من تقلبات السوق بحكم أن الزيادة الإجمالية التي سيؤديها ستقف عند حدود 30 درهما مهما بلغت أسعار السوق العالمي، وهذا هو الدور الإيجابي للتسقيف، والدور الإيجابي للدعم الاجتماعي المباشر.
وبنفس بعد العدالة الاجتماعية في إصلاح المقاصة، يمكن الحديث عن الزيادات المقترحة في الضريبة على القيمة المضافة.
فرغم أن هذه الزيادات قد تم إقرارها في القانون الإطار الصادر سنة 2019، وبالتالي فالحكومة لا تعمل اليوم سوى على تنفيذ مقتضى قانوني، فإن تدبير ذلك يخضع لنفس المنظور الاجتماعي المستمد من مشروع الدولة الاجتماعية.
هكذا فإن زيادات هذه الضريبة على الماء والكهرباء تكاد لا تحدث تغييرا على الغالبية العظمى من المستهلكين إذ تتراوح الزيادة بين بضعة سنتيمات إلى بضعة دراهم لا أثر لها مع وجود الدعم المالي الاجتماعي، فيما ستمس الزيادة المستهلكين الكبار في وضع ما أحوج البلاد إلى الاقتصاد في استهلاك الماء والكههرباء. هذا علما أن عائدات الزيادات على قلتها ستساهم، ولو جزئيا، في تغطية تكاليف إعفاء عدد من المواد من الضريبة على القيمة المضافة.

حضرات السيدات والسادة
إن ما نسعى إلى إبرازه هنا هو العمل الجاد وغير المسبوق على إعادة النظر في خريطة الاستفادة من المقدرات العمومية بما يصحح الاختلال التاريخي المتمثل في استفادة الميسورين أكثر من غيرهم من الدعم العمومي. ويعتبر هذا نوعا من إعادة توزيع الثروة مع العمل الجاد على ضمان استفادة كافة الشرائح الاجتماعية من نفس الخدمات وهو ما يجسده انطلاق إصلاح المنظومتين الصحية والتعليمية.
لكل هذه الأسباب ننوه بمشوع قانون المالية ونصوت لصالحه.

عن Zwawi

شاهد أيضاً

باكادير..تنظيم المناظرة الوطنية للصحة في دورتها التاسعة

المناظرة الوطنية للصحة في دورتها التاسعة بأكاديرالجمعية الوطنية للمصحات الخاصة في قلب النقاشات الصحية الراهنةالحكامة، …

اترك تعليقاً