محمد السعدي: نظم 13يوم فبراير الجاري مختبر الفلسفة وقضايا العصر، مائدة مستديرة حول موضوع الفلسفة و الأدب في السياق المغربي.
افتتحت مجريات اللقاء التي التأمت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بكلمة الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين -مدير مختبر الفلسفة وقضايا العصر- ، الذي أكد على أن هذا اللقاء جاء ليسلط الضوء عن العلاقة بين الفلسفة الأدب حيث قال، إنهما صورة كاملة لمشاعر الإنسان واستكشاف ما معنى الحياة؛ فالفلسفة رحلة فكرية للتنوير والتقدم، أما الأدب رحلة إبداعية تترجم مشاعرنا إلى كلمات تلامس الوجدان، وهذا اللقاء يسعى إلى قراءة أعمال أدبية وفلسفية من أجل فهم أعمق للعلاقة بين الفلسفة والأدب.
أما نبيل فازيو -منسق اللقاء- وخلال كلمه له بالمناسبة فقد أبرز، أن موضوع المائدة يكمن في إبداع مفكرين مغاربة في مجال الأدبي، وصرح أنه في هذا السياق سيحاول المتدخلين الإجابة عن سؤال: لماذا يلجَأ الفلاسفة إلى التعبير الأدبي؟.
ترأس الجلسة العلمية الأولى الأستاذ نبيل فازيو، خاضت من خلالها الباحثة أسماء عريش في مداخلة لها بعنوان «حفريات في الذاكرة: قراءة في رواية “أول في التكوين” لعبد الإله بلقزيز». أوضحت “عريش”، أن بلقزيز يتميز بلسان عربي فصيح كان له التأثيرا كبيرا في مساره العلمي، وهو ما جعل كتاباته تصب نحو رد الاعتبار للتراث الأدبي والفلسفي.
وزادت، أن الكتابة الأدبية لن تستعصي على مفكر من حجم بلقزيز، لكونه غاص في كتب التراث الأدبي والفلسفي؛ الأمر الذي يُمَكن نصوصه من فرض قوتها على القارئ، وتمارس عليه سلطتها، وتستمليه إلى قضاياه، وتحمله إلى تجربة القراءة الأدبية وتحقيق المتعة لديه.
وأضافت ذات المتحدثة، أن بلقزيز نجح في سرد الرواية -أول في التكوين- والإفصاح عن تجارب حياته، بلغة وأساليب بعيدين عن الكتابة التقريرية.
بدوره شدد الباحث عبد الرحمان الزنادي في مداخلة له بعنوان «التاريخي والتخييلي في الرواية “حبس قارة” لسيعد بنسعيد العلوي»، على أن الرواية تحمل بعدا تاريخيا الأمر الذي يميزها عن باقي الكتابات الأدبية، وأكد “الزنادي” أن الروائي بنسعيد العلوي نجح في الجمع بين الماضي والحاضر، وبالتالي تحقيق وحدة الموضوع في رواية “حبس قارة”.
من جهته ساهم الباحث كريم نعيم بمداخلة بعنوان «الذاكرة والتاريخ: رحلة في ربوع نص “حفريات في الذاكرة” لمحمد عابد الجابري». اعتبر “نعيم”، أن رواية الجابري بمثابة وثيقة تاريخية لا محيد عنها، لكون المؤلف كان فاعلا تاريخيا في المغرب الراهن، ذلك أن الرواية تلسط الضوء على مجموعة من الأحداث لم يؤرخ لها بعد. وأشار الباحث، أن الجابري استعمل في سرده لأحداث الراوية ضمير الغائب (صاحبنا)، لكن لايمكن اعتبارها سيرة غيرية، لأن من الواضح أن الجابري اختبَأ وراء شخصية “صاحبنا”.
الجلسة العلمية الثانية ترأستها الأستاذة ابتسام براج خاض من خلالها الباحث محمد أعزيز مداخلةً بعنوان «المعرفي والأدبي في رواية “مجهول الحال” لسعيد بنسعيد العلوي». أوضح “أعزيز”، أنه يمكن الحديث عن حضور فلسفي في عمل أدبي، باعتبار الرواية تؤسس إلى متخيل اجتماعي، ويظهر ذلك جليًا في رواية “مجهول الحال”، لأنها تبني أحداثها انطلاقا من المجتمع وذهنياته بلغة تبتعد عما هو تقريري.
علاوة على ذلك، انبرت مداخلة الباحث سفيان البراق بعنوان «الرواية والفلسفة في المغرب عبد الله العروي نموذجا ( بين التنظير والإبداع)»، إلى أن الكتابة الأدبية انتصار للإنسان.
وأضاف سفيان البراق، أن العروي زاوج بين التنظير والإبداع من خلال ربط الرواية بالوجدان، وتسليط الضوء عن المسكوت عنه في الواقع الاجتماعي معتمدا على تقنية تعدد الأصوات للتعبير عن وجهات النظر المتفاوتة؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى حاول العروي ربط سؤال الحداثة من خلال الكتابة الروائية.
وكانت آخر مداخلة للباحث عبد الرزاق التوماني بعنوان «الخطيبي بين أنشودة إبراهيم وعقدة أوديب». حاول الباحث تحليل البعد الشعري في فكر الخطيبي، لا سيما في قصيدته “أنشودة إلى إبراهيم”، وخلص إلى أن هذه القصيدة تُبرز قدرة الكاتب على توظيف الفلسفة والأدب لفهم الذات والمجتمع.
شهد اللقاء حضورا كثيفا من لدن عدد من الطلبة الجامعين من مختلف المستويات، وأساتذة وأكاديمين ومفكرين وازنين في الساحة العلمية، كعبد الإله بلقزيز وسعيد بنسعيد العلوي، هذا الأخير الذي أثنى على اللقاء بكلمة اوضح من خلالها، أن حضور الفلسفة في الرواية ليس قصدي من طرف الروائي، ولكن على القارئ اكتشافه.
وزاد أن الرواية هدفها الإمتاع وليس الخطاب السياسي، وأضاف ذات المتحدث أن الحدث التاريخي يقتل الرواية؛ لأن العملية التأريخية تعتمد على الصدق، وهو ما يغيب في الأعمال الأدبية بشكل عام الرواية على وجه الخصوص.
استفاد أساتذة والطلبة باحثين من مختلف المستويات من هذا اللقاء، الذي قام بتنسيقه الأستاذان نبيل فازيو ومحمد زكاري في انتظار أن تتواصل مثل هكذا لقاءات، خصوصا والوزن الأكاديمي الكبير الذي يحظى به منظمو هذه الأنشطة برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك خصوصا، والجامعة المغربية بشكل عام خدمة للبحث العلمي.